تاريخ النشر: 01/01/1988
الناشر: دار الغرب الإسلامي
نبذة نيل وفرات:إن معرفة أحوال الرجال، شيوخهم وتلاميذهم مروياتهم وسماعاتهم، رحلاتهم وتواريخ ولادتهم ووفاتهم من الفنون التي اهتم بها علماء المسلمين اهتماماً كبيراً وجعلوها من ضرورات العلوم. قال السخاوي "وهو فن عظيم الوقع من الدين، قديم النفع به للمسلمين، لا يستغني عنه، ولا يعتني بأعم منه، خصوصاً ما هو القصد الأعظم ...منه، وهو البحث عن الرواة والفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم، لأن الأحكام الاعتقادية والمسائل الفقهية مأخوذة من كلام الهادي من الضلالة، والمبصر من العمى والجهالة، والنقلة لذلك هم الوسائط بيننا وبينه، والروابط في تحقيق ما أوجبه وسنه، فكان التعريف بهم من الواجبات، والتشريف بتراجمهم من المهمات، ولذا قان به في القديم والحديث أهل الحديث، بل نجوم الهدى، ورجوم العدى..".
لذا فقد اهتم سلف هذه الأمة بالترجمة لشيوخهم وذكر تلاميذهم ورحلاتهم العلمية، وسماعاتهم، ومصنفاتهم، والمدارس العلمية التي درسوا ودرسوا بها إلى غير ذلك من أحوالهم مما له علاقة بالجرح والتعديل وقبول الرواية أو ردّها.
وكتاب مشيخة قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم ابن جماعة المتوفي سنة 733هـ. (تخريج شيخ الإسلام علم الدين القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي المتوفي سنة 739هـ) هو واحد من هذه المصنفات التي ألفها علماء هذه الأمة التي تعطينا الصورة الواضحة الصادقة عن أحوال الرجال وسماعاتهم ومروياتهم ونشأتهم وغير ذلك مما له علاقة بصحة الإسناد أو ضعفه.
وتتميز هذه المشيخة باهتمامها بمعرفة أحوال المترجم له، وما يتعلق بأخباره العلمية وحياته الشخصية، وذكر مروياته، ومحاولة الرواية عنه بالسند والوصول بهذا السند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويمكننا أن نجمل منهج المؤلف في النقاط الآتية: أولاً: افتتح مخرج المشيخة علم الدين البرزالي الكتاب ببيان أهمية علم الحديث. ثم ذكر أن ممن بقي من هؤلاء الأعلام شيخه بدر الدين ابن جماعة فقال يصفه بقوله: "وكان أجل من بقي منهم شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة، خطيب الخطباء...".
فرغب أن يجمع له مشيخة فقال: "أحببت جمع ما وقع إلي من شيوخه في هذا المجموع، وإيراد بعض ما له من مجاز ومسموع". ثم بين علم الدين أن سبب تخريجه للمشيخة هو انشغال بدر الدين بأحوال المسلمين.. ورغم ذلك فإنه قد راجع شيخه في هذه المشيخة، وأن ما سطّره هو من توجيه شيخه له.. ولقد رتب المشيخة على حروف المعجم في الاسم الأول والثاني فبدأ بمن اسمه "إبراهيم". وانتهى بمن اسمه "يحيى"، ثم "الكنى" وأخيراً أسماء "النساء". وبدأ به بترجمة "إبراهيم بن سعد" والد بدر الدين.
وبعد أن انتهى من ذكر شيوخه ختم الكتاب بذكر حكايات وأخبار، وأكثر النقل من كتاب "المجالسة" للقاضي أبي بكر أحمد بن مروان بن محمد بن مالك الدينوري المالكي. ومن كتاب "للإمام الحافظ الزاهد "أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن" المتوفي سنة 470هـ. وقد بلغ عدد شيوخه في هذه المشيخة أربعاً وسبعين شيخاً من ضمنهم امرأة واحدة.. كما أن هؤلاء الشيوخ هم من أعيان القرن السابع (647-693هـ).
ثانياً: اسم الشيخ، ونسبه، وكنيته، ولقبه: ولا شك أن ذكر اسم الشيخ ونسبه وكنيته ولقبه من الأمور الضرورية لمعرفة المترجم له ولتمييزه عن غيره ممن يتفق معه في الاسم أو اسم الأب أو حتى اسم الجد. ولقد حرص المؤلف على ذكر هذه الأمور في كل التراجم التي ذكرها في هذه المشيخة.
ثالثاً: مكان وزمان ولادة ووفاة الشيخ: كما وحرص على ذكر عناصر الترجمة فعرف مكان وزمان ولادة ووفاة المترجم له، ولقد كانت التراجم غنية في هذا المجال.
رابعاً: ألفاظ التعديل، والمكانة العلمية لشيوخه: إن التفتيش عن أحوال الرواة، وتسليط الأضواء على الأسانيد من الأهداف الرئيسية لتأليف كتب المشيخات، لأنها تكشف ما كان خافياً، وتسير غور الرواة، فتفضح الوضاعين وتحذر من الضعفاء، وبالتالي تحفظ لنا السنة النبوية بيضاء نقية ليلها كنهارها، ولقد اهتم المصنف رحمه الله تبارك وتعالى بهذا العنصر من عناصر الترجمة وغالباً ما كان يبدأ الترجمة بعد أن يسرد الاسم والنسب كما واهتم بذكر ألفاظ التعديل والمكانة العلمية لشيوخه.
خامساً: رحلات، وشيوخ، وتلاميذ شيوخه: إلى جانب هذا اهتم بذكر شيوخ وتلاميذ المترجم له، وأولى هذا الجانب العناية الخاصة، بل جعله من أهم عناصر الترجمة، ونراه في أثناء ذكر الشيوخ والتلاميذ يحرص على ذكر البلدان التي رحل إليها صاحب الترجمة وعن شيوخه وتلاميذه في تلك البلدان، وطريقته في ذكر الشيوخ والتلاميذ.
سادساً: وصفه لخلق وخلق شيوخه: ومن عناصر الترجمة في مشيخة بدر الدين ابن جماعة هو حرصه على وصف ملامح شيوخه الشخصية، وذكر مزاياهم وصفاتهم ومناقبهم وأخلاقهم وشكلت هذه الفقرة مادة لا بأس بها من مواد الكثير من التراجم. كما وحرص على ذكر أسماء الكتب والمؤلفات التي استمد منها عناصر ترجمته أو وصفها. ولعل أهم موارد ابن جماعة في "مشيخته" هي كتب الحديث المشهورة، فلقد كان حريصاً على رواية هذه الكتب بسنده، وهذه "الروايات" هي القسم الثاني من الترجمة وقد أخذ هذا القسم حيزاً كبيراً في "المشيخة". إقرأ المزيد