تاريخ النشر: 01/01/1999
الناشر: دار الغرب الإسلامي
نبذة نيل وفرات:إن الظاهرة الفنية التي يمثلها شعر الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي واحدة من الظواهر الفنية العامة في تاريخ الشعر العربي التي لم تتم -بعد- دراسة جميع جوانبها وأبعادها، رغم ما تميزت به من خصائص فنية مختلفة -أو متميزة- عن الخصائص العامة الرئيسية لبقية الشعر الجاهلي.
وقد تجسدت خصائص شعر الصعاليك ...أكثر ما يكون وضوحاً وأبلغ ما يكون بياناً في شعر "أكثرهم دوراناً على الألسنة، وهم تأبط شراً والشنفري وعروة بن الورد"، وقد حظي الأخيران بما لم يحظ به تأبط شراً من الدراسة والبحث، سواء من حيث الجوانب الفنية والإبداعية واللغوية في شعره هو، أو من حيث دلالة شعره على بعض الخصائص الفنية لشعر الصعاليك خاصة، وللشعر الجاهلي عامة، فضلاً عما تتيحه دراسته من إضاءة لبعض جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية للعرب في العصر الجاهلي.
ولم يكن ذلك ليحدث لولا غياب ديوان له يجمع شعره المتفرق، ويضم أشلاءه ومزقه التي توزعتها كتب الأدب واللغة، فضاعت معالمه في هذا الخضم، وشاهت صورته الفنية والاجتماعية حتى غلبت عليها -عند العديد من دارسي تاريخ الأدب العربي- أخطاء وأغلاط كثيرة، ولم تتحر في تناوله الدقة الوافية والإدراك المتكامل، ولم يقع عليه الاختيار ليكون محل نظر وتأمل، بل كان الشنفري وعروة أقرب منالاً لتوفر ديوانيها.
أما تأبط شراً فلم يبق أيدينا من ديوانه، أو عنه، إلا بقايا كلمات وأطراف عبارات وردت في بعض كتب ابن جني، وذلك رغم المكانة التي شعره في الأدب الجاهلي وتاريخ اللغة العربية عند القدماء والمحدثين. فعلى سبيل المثال لم يكن عبثاً ولا اعتباطاً أن أفتتح أبرز رواة الشعر الجاهلي وأهمهم المفضل الضبي اختياراته المشهورة بالقصيدة القافية لتأبط شراً، والتي مطلعها:
يا عيد مالك من شوق وإيراق ومر طيف على الأهوال طرّاق
ولم يقل اهتمام أصحاب علوم اللغة بشعر تأبط شراً عن اهتمام رواة الشعر ونقاده به، وتكفي الإشارة هنا إلى أن ابن منظور قد أورد في لسان العرب واحداً وستين شاهداً من شعر تأبط شراً، بينما لم يستشهد من شعر الشنفري إلا بثلاثة وعشرين بيتاً ومن شعر عروة بن الورد إلا بخمسة وثلاثين بيتاً.
أما عن المحدثين من دارسي الأدب العربي ونقاده فهناك تناقض لا بد من التوقف عنده، وهو أن شعر تأبط شراً قد لقي من المستشرقين الأوروبيين اهتماماً لم يلقه من أبناء العربية.
وقد بدأ اهتمامهم به مبكراً منذ ترجم فريتاج بعض شعر تأبط شراً إلى اللاتينية وعلق عليه عام 1814. ولعل من أهم ما كتب عنه عندهم هو مقال حوستاف بور، الذي حقق فيه وترجم بعض أبيات وقصائد له.
ولكن أهم ذلك كله هو البحث المتميز لجيمس تشارلز ليال -محقق شرح ابن الأنباري للمفضليات- بعنوان "أربع قصائد لتأبط شراً الشاعر الصعلوك"، قدم فيها وصفاً جيداً للمنطقة التي سكنها بنو فهم قوم تأبط شراً في تهامة والحجاز، وترجمة مختصرة جيدة لحياة تأبط شراً، ثم ترجم فيها أربع قصائد لتأبط شراً.
لذا كان هذا العمل في جمع شعر تأبط شراً وتحقيقه وشرحه، اعتماداً على كل ما يمكن الوصول إليه وتوفيره من مصادر عامة غير مباشرة ومصادر خاصة مباشرة، وتضمين ذلك كله في سياق واحد محقق متكامل مترابط، يقدم صورة جلية عن هذا الشاعر وعن شعره، متخطياً به قروناً عديدة من الضياع والتبعثر، ومتجاوزاً به أيضاً كل ما يعوق أدراك ما فيه من جمال، وتذوق ما وراءه من تفنن شعري مبدع.
وقد جعل هذا العمل في بابين رئيسيين: الباب الأول: ويتضمن شعر تأبط شراً محققاً مشروحاً، في قسمين: القسم الأول: ما لم يختلف في نسبته إليه. القسم الثاني: المختلط النسبة مما نسب إليه وليس له. الباب الثاني (الملاحق): ويتضمن ثلاثة نصوص رئيسية هامة في جمع وتحقيق وشرح شعر تأبط شراً، محققه تحقيقاً وافياً وهي: 1) ترجمة تأبط شراً، من كتاب الأغاني، اعتماداً على مخطوطة جيدة من مكتبة فيض الله، بالإضافة إلى نسخ الأغاني المطبوعة. 2) ما خرجه ابن جني من شعر تأبط شراً، مخطوطة من مكتبة الإسكوريال. 3) شرح المرزوقي للقصيدة القافية، من شرحه للمفضليات. مخطوطة من مكتبة برلين. إقرأ المزيد