تاريخ النشر: 01/01/1989
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة المؤلف:شهد العالم الإسلامي في أواخر القرن الحادي عشر للميلاد كارثة كبيرة تنزل به في أقصى طرفه الغربي حين خرجت من حوزته طليطلة ومعها ربع أرض الأندلس لتصير من بعض مملكة قشتالة الإسبانية. ولعل ما أثار أسى المسلمين وأدمى قلوبهم آنذاك كون طليطلة غادرت عالمهم في وقت كانت قد صارت فيه ...في قمة نموها وازدهارها وقدرتها على العطاء العلمي والحضاري. ذلك أن هذه المدينة بعد أن صارت منذ مطلع هذا القرن عاصمة لواحدة من ممالك الطوائف يملك عليها بنو ذي النون، سمت مع المأمون، ثاني ملوك هذه العائلة البربرية الأصل بحيث باتت واحدة من أكبر وأهم حواضر عالم العصور الوسطى.
في ذلك الحين كان يعيش داخل أسوارها، على ما تذكر المصادر الأندلسية ما يزيد على مائتي ألف إنسان في وقت ما كان يتجاوز عدد سكان حواضر أوروبية كبرى كباريس ولندن ثلاثين ألفاً. ثم عن طليطلة حين تركت عالم الإسلام كانت تحتضن أبهى وأنشط حركة علمية في غربي البحر الأبيض المتوسط كما كانت قادرة ليس فقد على مجاراة بغداد والقسطنطينية حضارياً وإنما وربما على منافستهما.
ولعل أكثر ما أثار حزن المسلمين وجزعهم مما حدث في الأندلس كون عقالهم وأصحاب البصيرة النافذة منهم أدركوا أن خسارتهم لطليطلة ما كانت في الواقع إلا الخطوة الأولى والأهم في طريق عودة هذه الأرض بكل ما فيها من بشر وتراث حضاري إسلامي تراكم على مدى أربعة قرون تقريباً إلى حظيرة إسبانياً المسيحية.
وفي الواقع وأنا أدرس تاريخ عصر الطوائف في الأندلس وأتعرف إلى أخبار ممالكه وملوكه وإنجازات هؤلاء من سلبية وإيجابية، على ندرة هذه الأخيرة، كنت أتوقف دائماً عند أخبار طليطلة وسادتها من آل ذي النون وعلمائها وباحثيها وفقهائها فأجد فيها من المنجزات الحضارية ما كان يشدني وعلمائها وباحثيها وفقهائها فأجد فيها من المنجزات الحضارية ما كان يشدني إليها باستمرار. بل كثيراً ما رأيت في تلك النهضة العلمية الباهرة التي احتضنتها طليطلة في ظل بني ذي النون في القرن الحادي عشر وكأنها شعلة من نور تمزق ظلمة عصر الطوائف.
ومن هذا المنطلق عملت خلال سنوات على دراسة تاريخ هذه المملكة وأسباب قيامها وتعرفت إلى أخبار رجالها وكشفت عن مسار أحوالها على امتداد السنوات التي عاشتها والتي ما زادت كثيراً عن نصف القرن. وقد توقفت كثيراً عند الأسباب التي آلت إلى زوالها وانتقال عاصمتها درة الأندلس وفخر عالم الإسلام في العصور الوسطى إلى سيادة الإسبان. إلا أنني مع الوقت رأيت نفسي مسوقاً إلى استكمال البحث بدراسة تاريخ المدينة في عصر الولاة كما في ظل بني أمية إذ وجدت دائماً أن خطاً واحداً يحكم علاقة المدينة بدولة الإسلام في الأندلس. وبصورة أوضح وجدت أنه قد لا يكون من السهل فهم تطور الأحداث التي ساقت مملكة طليطلة إلى خروجها من إطار العالم الإسلامي دون تفهم عميق لإشكالية العلاقة التي قامت بينها وبين سائر حكام قرطبة منذ ارتفع علم الإسلام في سمائها.
وعلى هذا رأيت نفسي في النهاية أخرج عما كنت قد قمت به في البداية من تسطير قصة "بنو ذي النون في طليطلة" منذ رفع في سمائها طارق بن زياد لواء الإسلام إلى أن أنزله من عليائها ألفونسو السادس في سنة 1085م. إقرأ المزيد