تاريخ النشر: 01/01/1986
الناشر: خاص-خليل الزهاوي
نبذة نيل وفرات:كثيرون هم الخطاطون، ولكن المبدعين منهم أقل من القليل...! ورغم أن الإبداع حالة نادرة تواكب المجتمعات الحية، المتعطشة للتقدم، نرى العبقرية -التي هي قمة هذا الإبداع- ضرورة إنسانية تبرز أكثر إلحاحاً في كثير من فترات التأريخ المظلمة لكونها طفرة لا تظهر إلى في فترات متباعدة تكون فيها الشعوب بأمس ...الحاجة لتحقيق الإصلاحات الاجتماعية. يصاحب الإبداع عادة رد الفعل المعاكس..! لكونه صفة شاذة يختلف معه الكثير من التقليديين الذي يميلون إلى الثبات إلى ما هم عليه.
ولما كان الإبداع صفة ملاصقة لكل تقدم وتطور، وصفة من صفات الشعوب الساعية للنهوض والارتقاء. نرى الإبداع في مجال الخط لا يختلف من حيث الجوهر عن أي إبداع في أي مجال من مجالات الفن والأدب والعلم. وإذا تتبعنا تأريخ الخط، وجدنا المبدعين فيه شذرات نادرة نست مجتمعاتهم أو تناست -في فترة كثيرة من التأريخ- قدراتهم ومواهبهم..! ومما يدخل تمت هذا الباب في (دنيا العرب- خالدين هياج، الذي خرج بالحرف العربي في أول محاولة تجميلية عندما كتب (سورة الشمس وضحايا) بالذهب على محراب الجامع. وأبو الأسود الدؤلي الذي بدأ أولى الخطوات لتصحيح الحرف، حين وضع نقط التشكيل "الحركات" وإلى ما تحقق من تثبيت لنقاط تمييز الحروف في العصر الأموي.
كما أن (ابن مقلة) القائل "الخط هندسة روحية كتبت بآلة جسمانية" هو الذي وضع أولى القوانين لهندسة الحرف العربي ووزنه بميزان النقط، وإلى ما جاء بعده من خطاطين طوروا الحرف وأضافوا إليه مسحات من التجديد والإتقان والدقة والجمال...، أمثال (ابن البواب والمستعطي، وممتاز بك) وغيرهم.
ويدخل ضمن هذا الإطار خطاطون معاصرون حاولوا التفنن والتطوير في الحرف العربي، منهم من تقيد بالقاعدة، ومنهم من ابتكر حروفاً جديدة، ومنهم من اتبع أسلوباً هو مزيج بين هذا وذاك، ومنهم من فضل المزج بين فنون الخط والرسم واللون مع التقييد بالقاعدة، فأصبحت لوحة الخط عندهم لوحة تشكيلية -بما فيها من تجريد ورمز.
ومن هؤلاء خطاطنا الذي نتحدث عنه في هذه المقدمة لكتابة "تشكيلات الخط العربي" وإذا تابعنا أولى محاولات خطاطنا "خليل إبراهيم الزهاوي" وجدناها تعود إلى عام 1966م عندما اتخذ من حروف التعليق أساساً لأسلوبه الذي نفذه في عدة لوحات تضمنها كتابة "قواعد خط التعليق" الذي طبع عام 1977م. وبعدها استمر يتطور استمر يتطور مستخدماً حروفاً أخرى هي الثلث، وعند متابعتنا لأسلوب الزهاوي يتراءى لنا تنهج ثلاث مراحل في التدرج إلى ما هو عليه الآن. فالأولى كانت تكراراً لحروف التعليق "الفارسي" مستخدماً امتداداته الأفقية والعمودية.
والمرحلة الثانية كان معتمداً على حروف "الثلث" ذي الأبعاد والقياسات الدقيقة، المتميز بالحروف الموزونة الجافة الثابتة الحركة -نسبياً-. ورغم ذلك فقد أخرج لنا أشكالاً جميلة وجديدة بأسلوب مبتكر، أما المرحلة الثالثة فقد كانت توصل إليها الخطاط ليعطينا من خلالها شكلاً أو صورة تكون أكثر تعقيداً مما سبق، مستخدماً كلا الأسلوبين للوصول إلى ما تحمله مخيلته من أفكار وخيالات، مستفيداً من اللون والحرف والشكل ضمن إطار روحي، مؤكداً قدرة الحرف العربي وقابليته على المران والحركة والتطور -ضمن القاعدة- وقد يكون النهج الثلث هنا توطئة لنهج جديد لم يكشف بعد عند الزهاوي. ويكاد الدارس لموقف خليل الزهاوي من نفسه ومن الخط، التعرف على كونه متأثراً بمعتقدات روحية ذات تأثير خفي نابع من إيمانه ببديع السماوات والأرض، أثر في أسلوبه وجعله ينحو في كثير من السمو والعطاء في أعماله الفنية.
عم أعمال هذا المبدع يتحدث الكتاب الذي بين يدينا والذي خصص لتقديم توليفة هامة من أعماله الفنية المخطوطة، كما وقدم في بدايته دراسات أعدها عدد من النقاد تحدثوا فيها عن: طوعية الحرف العربي عند خليل الزهاوي، الخواص الفنية للخط العربي، مكانة الخط العربي والكتابة في نظر الدين، أنواع الخطوط العربية، الخط العربي... ما يبعده ويقربه من الإبداع.. إقرأ المزيد