أقوال الشيوخ - حكم آباء البرية
(0)    
المرتبة: 39,888
تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: دار المشرق
نبذة نيل وفرات:لا يختلف اثنان على أن الشرق الأدنى كان منبت الروحيّات، ولا عجب، فمنه انطلقت ديانات التوحيد، وفي بلدانه ازدهرت طلائع الرهبانيات، وعلى يد علمائه القديسين حررت روائع الكتابات اللاهوتية والروحية. ومن هذه المؤلفات التي تفرّد بها شرقنا وكانت من بواكير النتاج الأدبيّ المسيحيّ، الكتابات المعروفة بأقوال آباء الصحراء.
فإبان ...القرنين الميلاديين الرابع والخامس، هجر كثير من المسيحيين المصريين مدنهم إلى القفار، وحياة الرفاه إلى عيشة الشظف والتقشف، ردّة فعل منهم على الترف السائد في المجتمع ومعه الإسترخاء الروحيّ والابتعاد عن الله. ولجأوا في رحيلهم هذا إلى براري الإسقيط وسيناء والنطرون وسواها، فبرز بينهم أناس تميزوا بالفضيلة والحكمة فتحلّق حولهم أعداد غفيرة من التلاميذ.
وسرعان ما اضطرت تلك الجماعات إلى تنظيم ذواتها وترتيب شؤونها، لا سيما ليتاح لها التوفيق بين حياة العزلة وحياة الجماعة، وعيشة الصلاة وأساليب العمل لتأمين ضرورات العيش. فتوصل النسّاك إلى حلول وسط بحيثوا كانوا يعيشون طوال الأسبوع في العزلة ويلتقون يوم الأحد لصلاة الجماعة والمشاركة الأخويّة.
وكانوا يمضون نهارهم بين الصلاة التأملية والمطالعة الروحيّة والعمل اليدوي الخفيف، عمل يتيح الترويح عن النفس من جهة، وتمكين المتعبد من متابعة تأمله. ومن الأشغال التي راجت بينهم صنع السلال، فيبيعونها في السوق لتدر عليهم ما يأكلون به. وكان المتوحد يتدرب على حياة النسك برفقة شيخ متمرس يشهد له بالقداسة والفطنة، فيتشبه به ويتعلم منه ويستشيره بخاصّة لتمييز الأرواح التي تتجاذبه في عزلته. ومن هنا أهمية الأقوال التي كان المريدون يطلبونها لدى معلّميهم، فيصغون إليها بلهفة ويدونونها ويتداولونها، وتكون في غالب الأحيان مقتضبة لأنّ المعلّم لا يحب الإكثار من الكلام ويؤثر الصمت، والصمت أبلغ أحياناً من المواعظ.
ومهما يكن فسرعان ما صنفت تلك الأقوال ضمن مجاميع، بعضها رتب بحسب الموضوعات، وبعضها الآخر دون بحسب نسبته إلى أصحاب الأقوال. وكانت تطالع بكل احترام، طالعها أجيال من الرهبان والمتصوفين والساعين في دروب حياة القداسة. وكان مؤلفو الكتب الروحية اللاحقون يغرفون من معينها لما فيها من خبرة وعمق وشمول. 1- ولعل كلمات هؤلاء الشيوخ وأعمالهم تبدو غريبة، أو أقله بعيدة عن واقعنا المعاصر. إلا أنها في الحقيقة عميقة الغور ولا تخلو من الطرافة. 2- وما سعى إليه مؤلف هذا الكتاب هو اقتباس تلك الأقوال. 3- وعرضها لا بحسب مواضيعها بل بحسب نسبتها إلى أصحابها، فذكر هؤلاء مرتبين ترتيباً أبجديًّا، والهدف من إختيارنا النهج الأول رغبته في عدم أسر القارىء ضمن نطاق فكرة محددة، تاركاً له أن يتنقل غير مقيّد، على هواه. 4-وعلى كل حال راعى في اقتباسها جانب شعور انسان اليوم، فضرب صفحاً عن كثير مما بدا مستغرباً وإن كان مستظرفاً، ولكنه لم يتوان عن الإحتفاظ ببعض آخر مما اخشوشنت ملامحه لأن المهم ليس القشرة والمبنى بقدر ما هو اللب والمغزى. إقرأ المزيد