تاريخ النشر: 01/01/1987
الناشر: عويدات للنشر والطباعة
نبذة نيل وفرات:ما يفتننا في هذه الدراسة هو الطابع الشخصي الذي دفعها به صاحبها الدكتور عزيز الحسين. إنه تناول موضوعه بإحترام شديد: لم يكتف ببحث اكاديمي فاتر قد يراعي مستلزمات الواقعية لكنه لا يصل إلى تفهم عميق، فلم يقف مهمته عند حد التعريف "بشعر الطليعة" وعرض مضامينه وأشكاله، بل أراد أن ...يخاطب هذا الشعر مخلصاً له –يسأله ويتملى أجوبته- ونحن نصغي إلى هذا الحوار مشدودين إليه. وسر إنقيادها وإنتباهنا إنما يكمن في مزايا الباحث.
1على رأسها نذكر ثقوب نظرته، تلك النظرة التي تتجه مباشرة إلى الجواهر وتعفينا من تلك المقدمات المستطيلة الفضفاضة التي رأيناها معادة في مثل هذه الظروف. ملكة أخرى متمكنة عند باحثنا هي المنهجية. بين القسم الخاص بالإطار التاريخي والأقسام الخاصة بالشعر نفسه، وضع المؤلف قسماً يعالج فيه مسألة القطيعة بين الشعر القديم وشعر الطليعة وسماه إسماً جميلاً وبعيد المرمى: "ثورة شكلية ثورة شاملة". وجمع هذا القسم في فصلين دسمين ما نحتاج إليه من مفاتيح حتى نفك ألغاز هذا الشعر أو بعضها. الشاعر الطليعي أبيَ وطموح، يأبى شعر الإجترار والتكرار كما يأبى الجور الإجتماعي، ما يطمح إليه في الناحية الشعرية قد يكون الإبداع الدؤوب الذي لا يكمل أبداً. إما وجه طموحه في الناحية السياسية فهو غامض: المستقبل باسم بالضرورة لمن يكابد ويعاني دون أن يفقد الأمل. ثم ينتقل محور الفحص إلى الإنتاج الشعري فيجد القارئ خصائص شعر الطليعة معروضة في قسمين تضمان ثمانية فصول في غاية الوضوح والمنطقية تعالج "الموضوعات" و "الصناعة".
وأخيراً يدل عمل د. عزيز على مدى علمه. تفتح الكتاب قائمة مراجع طويلة حافلة بمؤلفات كثيرة لم تحشد جزافاً وإنما نقاها وأبقى منها ما يرضي رؤيته للموضوع وميله المذكور إلى ما قلَ ودلَ. لقد إطلع على جميع المؤلفات المغربية –بجانب دواوين الشعراء- وهذا أمر طبيعي. لكنه أضاف إليها مؤلفات شتى، عربية وغربية، معاصرة وقديمة، فعبد الرحمان بن خلدون يجاور أدونيس والزر كلي على قاب قوسين من ميشونيك. ولا غرو أن تكون المراجع عديدة متنوعة لأن هؤلاء الشعراء المردة الثوار ليسوا حشائش شيطانية في حقل الثقافة. فإباءهم المبدئي لا يجردهم من الثقافة. إنهم يستقون من منابع ثقافية عديدة، منها أعلام الفكر الإسلامي وأبطال العرب والأساطير المختلفة من عربية وإنسانية لكن هذا الإستقاء مادة طيعة بين أيديهم: ينظرون إليه من منظارهم الخاص ويكيفونه وفق مششروعهم. من البديهي أن قرابة روحية وفنية قوية تربط بينهم وبين شعراء من المشرق العربي نالوا شهرة واسعة ولا يفوت مؤلفنا أن يذكر ذلك إذا سنحت الفرصة. إقرأ المزيد