تاريخ النشر: 01/11/2002
الناشر: مكتبة سمير
نبذة نيل وفرات:حين يكون الأمر كلاماً جبرانياً على الحب، فإن هذه الروحانية، المشتملة على ظلال بعيدة، كنفحات عبير، من الشعر الغزلي الراقي، لا تعود تلك المثالية المنفصلة عن الجسد، بل تظل حكماً حياتية معاشة، مهما كان ضعيفاً قبولنا، في هذا المجال، بأن هذه التجربة لا تعود كونها المغامرة الداخلية، واستخداماً لنظام ...الشعور. والحب الذي ألف بين قلبي جبران وماري هاسكل ينتمي بوضوح إلى الدائرة نفسها. لقد التقى جبران بامرأة حياته ماري هاسكل،للمرة الأولى، في بوسطن عام 1904، وكان في الواحدة والعشرين. وفي زمن متأخر، أبّان ملامسة حياته خواتمها، سيكتب مستعيداً بالذكرى ذاك اللقاء الأول والثورة التي أحدثها في شخصه، وكيف فهم للتو أنه لقاء يتحدد به، وبشكل نهائي، منحى مصيره، وأن الحب الذي اجتاح روحه هو من النوع الذي دوّن في سفر الخلود. وماري، المرأة الصبية، كانت تكبيره بعشر سنوات، وقد تزوجت في سنة 1926م (كان جبران قد عرض عليها الزواج، لكنه لم يلق منها قبولاً). هكذا.. وجد جبران في الحب المستحيل، وعلى غرار هولدرلن، ذاك الشكل السامي للفرح الذي ستتفجر منه ينابيع إلهامه العميقة:" لم أكتب قط، ولم أرسم بدونك"، يقول في إحدى رسائله إلى ماري. لهذه المكاتبة الطويلة، عبر مئات الرسائل المتبادلة مع المرأة المعشوقة، ومدة ربع قرن تقريباً من 1908 حتى 1931، سنة وفاة الكاتب، هذه .. لا تشكل وثيقة ذات فائدة نفسية وإنسانية فريدة فحسب، أو قيمة لا تضاهى عند النظر في الطريقة التي بها أعماله، وعند مقاربة فكره: فهي: بحد ذاتها، أثر أدبي، بكل ما في الكلمة من معنى، نظراً إلى عمق شعورها، وغنى تأملاتها، وروعة أدائها الملهم. وماري أوحت إلى جبران، بأن ساعدته، قبل كل شيء، في الابتداء مع نفسه بأبعادها المختلفة، اكتشافا للثورات الهاجعة داخل ثناياها:" أنت لم تتأخري عن أن تجعليني أسبر أعماق روحي"، يقول. وقد أنقذته من إغراء الانزواء في عالم من الأحلام الخالصة، بحثّه على الانضمام إلى مملكة المطلق، في ما " هو أبعد من الحلم". والقيمة الكبرى لهذه المكاتبة التي ضم بعض لمحاتها هذا الكتاب، هي أنها أبانت، بطريقة مثالية، حشد القوى الروحية في الكائن، إبان اكتمالها بتجربة الحب الثرية، وبهذا لامس الكاتب سر الخلق فيه، ذاك الذي "للفكر الحر"، الموازي لكمالية الحياة، و"كمال الحقيقة". هذا المسار الذي يحملنا " إلى ما هو أبعد من تفكيرنا" لا يشكل ملاذاً بقرار، بل، على العكس، ينشئنا على درجة عالية من وعي الحقيقة، والإدراك الرهيف لجوهر الأشياء: نريد أن نكون لوغيا.. بكماله الأسمى"، يقول جبران. وكاتلين بوني، إذ قدمت إلى القراء الفرنكفون نفائس منتقاة من هذه الرسائل، أتمت عملا يستحق التقدير لأكثر من سبب: ففضلا عن الاختيار الذكي للمقاطع مستقاة من مثات الرسائل، يجب الاعتراف بحسن إشراكها وجدارتها في الإنكليزية وموهبتها كرسامة، فهي بترجمتها لغة جبران الإنكليزية، ذات السياقات السامية أحيانا، إنما أدت عملها بدقة كبيرة، وبذوق سليم، وإحساس جمالي لافت! كما حرصت فاحتفظت في الترجمة الفرنسية بالشحنة الغنائية التي للأصل، ونسقها النفحي الخاص. ولا تقل "الترجمة" الأخرى التي حاولتها استحقاقا للثناء: وهي إعطاؤها كل قطعة امتدادا ما، أو، إذا شئنا، " معادلا تشكيليا". وكاتلين بوني، فيما هو أبعد من النجاح التقني الذي يقضي بالمهارة في التأليف، والفن في الخطوط، والتنسيق الفرح للألوان، وجدت مع نصوص جبران ذاك التواطؤ الحميم الذي سمح لها بالافراج عما في صفحاتها من رهافة وسمات: المنظر الداخلي، إرتعاشات الانفعال وتلاؤم الجملة مع إندفاق حالات الفكر. مع كتابة غنائية بجوهرها، عبورا إلى تعاكسات الرسم الإيضاحي، أبانت الرسامة الطريقة التي حبك بها النسيج الاستعاري الغامض. فكاتلين بوني، بكفاءة انتمائها إلى النص الذي تزين، فكرا وروحا، نجحت في رهانين: رهان الأمانة الحقيقية، ورهان الخلق الفني الصادق. إقرأ المزيد