تاريخ النشر: 01/01/1900
الناشر: دار الهلال
نبذة المؤلف:كانت الفتاة تقف بالقرب من رفيقتها، وكلاهما صامتتان تترقبان نتيجة ذلك الجدال. ومن الغريب انه لم يبد فى وجه تلك الفتاة شئ من امارات الخوف كأنها قد وثقت بفوز حبيبها. ولكنها كانت اذا وقع بصره عليها ابتسمت، وفى ابتسامتها اطراء وتشجيع، فاذا حولت بصرها نحو بسطام قرأ هانىء فى شفتيها ...كل ملامح الاستخفاف والبغض. وقد أدرك هانىء ذلك منها رغم ما تقاطر من جيوش الظلام. فلما سمع بسطاما يعرض القسمة على هذه الصورة عظم استخفافه به، فأجابه بصوت هادىء ولكن ملؤه التهديد قائلا: "لا أحب القسمة، وانما هذه الفتاة لى، فارجع الى معسكرك وخذ نصيبك مما بعناه من الغنائم والأسرى والسبايا"
فازداد بسطام هياجا ووقف على الركاب بغتة حتى أجفل جواده وصاح قائلا: "لا يمكن لحد أن يأخذ غنيمتى منى، ولو كان الأمير عبد الرحمن نفسه.. أما كفاكم كعشر العرب ما تسوموننا من الخسف فتستأثرون بكل شىء دوننا كأن غير العرب ليسوا مسلمين. وأنت تعلم انى أستطيع أن أعرقل مسعاكم وأرجعكم على أعقابكم فلا تفتحون بلدا ولا تكسبون غنيمة.."
فلما سمع هانئ ذلك التهديد كبر عليه أمره، ولكنه تصور ما يترتب على مجافاته من الضرر. وهو يعلم ان بسطاما لا يهمه الاسلام ولا المسلمين، فاذا غضب وغضبت قبيلته ضعف الجند وهذا ما لا يرضاه هانئ ولا عبد الرحمن. على ان حدة الشباب غلبت عليه وهو بين يدى حبيبته.. فلم يتمالك أن هم بسيفه فاستله وهجم على بسطام لا يبالى أى عضو يصيب منه. فاذا بالمرأة تتقدم بثوبها الأسود ثم تمسك بعنان فرسه وتخاطبه بالعربية قائلة: "لا تقتتلا فما نحن غنيمة لأحد وكفى خصاما" قالت ذلك بلسان أهل اليمن مع شئ من العجمة. فبغت الأميران وتعجبا لما سمعاه بالعربية.
أما بسطام فانه ظل مصمما على طلبه، وخصوصا بعد أن سمع تهديد هانئ له بين يدى تلك الفتاة وهى تفهم العربية فقال لها: "بل أنتما غنيمتى.. واذا شئت الانحياز الى هذا الأمير فلا بأس، وأما هذه الفتاة فانها لى..". قال ذلك وانحنى على سرجه ومد يده الى الفتاة وهم أن يمسكها فتباعدت وهى تنظر اليه شزرا ولم تضطرب، فتبعها بفرسه.. ولما رأى هانئ تلك الجرأة لم يستطع أن يكتم غضبه، وقد سره تباعد الفتاة لأن فى تباعدها تصريحا بتفضيلها اياه ونفورها من بسطام.
فأحس أن تعلقه وكظمه لا ينفعان مع هذا البربرى شيئا، فهمز جواده والسيف لا يزال مسلولا فى يده، فوثب الجواد وصهل كأنه يشارك فارسه بعواطفه، وتباعدت المرأة وقلبها يختلج، وما كادت تفعل حتى سمعوا وقع حوافر جواد يعدو نحوهم من جهة المعسكر وصوتا ينادى: "هانئ، هانئ، اغمد سيفك!" فالتفتوا فاذا بالفارس قد أقبل حتى دنا منهم، وقبل أن يروا وجهه عرفوا من فرسه ولباسه انه الأمير عبد الرحمن. فاستغربوا مجيئة فى تلك الساعة على حين غفلة وبغتوا، ولم يفه واحد منهم بكلمة، ولم يستطع هانئ سوى اغماد سيفه. إقرأ المزيد