تاريخ النشر: 05/04/2016
الناشر: نبض للنشر والتوزيع
نبذة الناشر:شعرت بشيء من الامتنان للضابط الشاب الذي سلمني بريدي، امتنان يشبه ذلك الذي يكنه الوليد للقابلة المخلصة. تجمدت للحظة أمام خطاباتي المخزنة على مدار سنوات. وبعد تربيتة على كتفي ابتسمت بدلا من الصرخة التي ترددت داخلي، حياتي أمامي مرتاحة على كفه كحياة أخرى موازية مرت، كحلم طويل لم أشاهده بالكامل، ...فاتت سنة وراء سنة، وها أنا أقف أمام بوابة عرض ثان لكل ما افتقدته، أو ما ظننت أني فقدته. كانت تلك الأظرف المتربة المكسرة جزءا ثمينا لم أعشه من حياتي لكنه انتظرني وفيا وحبيسا مثلي لأحرره ونرحل معا إلى المستقبل.
أمسكت مكاتيبكم المفتوحة والمكومة في يد الضابط بذهول من يمسك بيده خمسة عشر عاما، أو كمن يمسك بعشر سنين، لا، لا، هم فقط خمس أو سبع. رأسي ثقيل وذاكرتي ملساء لم يعلق بها شيء. أنظر في عيني الضابط كمن يحتاج لدعم ما، مساندة ما من شخص يدرك جلال الموقف. تنخفض كفي التي تحمل الرسائل كأني أزنها، ثقيلة كنيزك، أحاول أن أحدد عمق الزمن الذي راح، طول ما عشته مقطوعا عن الخارج، مقطوعا حتى عن الشمس. أتذكر أول مرة يأخذونني من الزنزانة إلى النهار، كانت ساقاي ترتعشان بعنف بينما أحاول مجاراة خطوات الحارس، كنت أسقط فيسحلونني حتى أتمكن من الوقوف، كنت بردان وضامر العضلات، اهترأ جلدي في مناطق وتصلب في مناطق والتهب في أخرى. كنت أهرول بجوار الحارس في حالة مزرية، لكنني ابتهجت وتحمست لرؤية الشمس، نافذ الصبر أتشوق إلى ذلك الدفء على جلدي، يخترقني ويحييني من الداخل.
أكتوبر 2004، هكذا قرأتُ على جريدة حارس ثرثار أوقفني حراسي بجانبه لثوان. جرجروني لباحة السجن وأنا لم أكن أسألهم لماذا أخرجوني اليوم؛ كنت فرحا جدا لا أريد أن أفسد اليوم بالأسئلة والتشككات، كان جسدي يتحرك فيرتاح الذهن الذائبة مفاصله من الإجهاد. وأخيرا، خرجت إلى النور ورفعت وجهي ليغمرني الدفء، لكن النور اختفى والشمس لم تعد في السماء مكانها، كان هناك ثقب أسود كبير يبتلعها. انتابتني حالة هستيرية ولم يستطيعوا إسكاتي، يتكلمون عن كسوف الشمس ويحذرني صوت من النظر إلى الشمس حتى لا أفقد بصري، ويشتمونني ويشكرون كرم الحاكم الذي لا أستحقه؛ أمر أن يخرج كل السجناء لرؤية كسوف الشمس الرائع، لكنني حيوان لا أقدر جمال الطبيعة. في تلك اللحظة لم أعد قادرا على تخطي خيبة الأمل، فصرخت آخر صرخة، صرخة مرعبة وكبيرة، صرخة إنسان أقلع عن الرجاء وعن الأمنيات، لكنه تعلق لحظة بأمل مقطوع، فانفجر بخيبة سنينه وتحول لصرخة. كنت أضرب رأسي وألعن جدود الشمس نادبا حظي حين جرجروني إلى زنزانتي ثانية، حصلت على حقنة مخدرة قد يقتتل السجناء عليها لسنين. نعم، وجدت بعض الحظ في ذاك النهار المظلم. إقرأ المزيد