السرد القصصي في القرآن الكريم
(0)    
المرتبة: 110,641
تاريخ النشر: 01/01/1999
الناشر: مكتبة مصر
نبذة المؤلف:ماذا أردت من هذا الكتاب؟ إن لم أكن أردت إلا أن أظهر ناحية جديدة من إعجاز القرآن فحسبي. ولعل ذلك كان يقتضيني أن أقدم إليك قصص القرآن جميعاً، ولكن ما الذي كان يعود عليّ أو عليك إن أنا فعلت. أنا لا ابتغي عرض القصص القرآني، وإنما كل ما هدفت إليه ...أن أقدم إليك هذه الظاهرة العجيبة، وهي أن أحدث ما وصل إليه الفن القصصي هو النسق الذي سار عليه السرد في القرآن الكريم.
وقواعد الفن القصصي نبتت من الاستقراء. فالرواية حين بدأت في الظهور منذ خمسمائة عام ونيف، لم يكن لها قواعد بطبيعة الحال، شأنها في ذلك شأن الشعر في التراث العربي. فحين ألفت روايات كثيرة - نجح منها ما نجح، وفشل منها ما فشل- بدأ النقاد يتساءلون لماذا نجح الناجح ولماذا فشل الفاشل، فكانت هذه القواعد.
ولعمري هل نظر النقاد إلى قصص القرآن حين وضعوا قواعدهم؟ أشك في ذلك. بل أقطع أنهم لم يفعلوا. فهذه القواعد واردة علنيا من الأدب الغربي. وما أحسب أن بين النقاد هناك من يفكر في القرآن إلا على أنه كتاب سماوي. أما روعته اللغوية والفنية فبعيدة عن أذهانهم كل البعد.
وقد كان الأجدر بنقادنا نحن أن يتنبهوا إلى هذه الفنية في السرد القصصي في القرآن، ويقوموا عني بعمل هذا الكتاب.
تنزه القرآن الكريم أن يكون قصصاً، مجرد قصص، وإنما هي أمثال تضرب للناس ليتخذوا مما يروي لهم عبرة وليهتدوا إلى صراط مستقيم. ولذلك فقد يرى الناقد المحترف أن القصة القرآنية بعيدة عن قواعد القصة العادية، لأن الموعظة فيها تقترن بالعرض. وهذا الناقد إن فعل يكون مجانباً للصواب، مجافياً للنظرة المتعمقة، فالقصة التعليمية مذهب فني معترف به لا يحتاج إلى تأكيد وجوده. والقصص القرآني قصص من نوع خاص. فهو ليس فناً خالصاً يقدمه صاحبه لا يعنيه فيه الجانب الخلقي. إنما قصص صاغها الله سبحانه وتعالى لتكون مثالاً للناس. والقصصي الملتزم، وأغلب القصاصين الآن ملتزمون لا يلقون بقصتهم لمجرد التسلية وإزجاء الوقت، فهم إن فعلوا أصبحوا أشبه ما يكونون بجدات الأطفال يهدهدان فراشهم بالحدوتة ليسلموا الأطفال إلى نوم هنئ.
القصاص الجاد لابد أن يقول قصته ليقول بها شيئاً مهماً يكن هذا الشيء قد يدعو إلى تحطيم الأخلاق، أو قد يدعو إلى كبار الأخلاق. وبعض القصاصين يحبون أن يظهروا بمظهر المتحررين من كل قيد، فيدعون بقصصهم إلى التمرد، ظانين أن الحرية تتمثل في التمرد. إنهم صغار، ولكنهم مع ذلك ملتزمون. وهنا يختلف القصاص البشر عما هو تنزيل من عزيز حكيم. فقصص القرآن بطبيعة الحال لابد أن تكون المثل الأرفع في الخلق والإيمان.
فإذا نحينا إذن جانب الموعظة التي يجملها القرآن في أغلب الأمر حين يختم قصته. وإذا اعتبرنا أن هذا الحديث يساق إلى قوم القصة بالنسبة إليهم لم تكن تخرج عما يتناقله الرواة من أخبار العرب بل إن القصة حتى يومنا هذا مازالت غريبة في بلاد عربية كثيرة لا يعرفون مذاقها. إلا إذا تمثل في إذاعية أو تلفزيونية أو فيلم سينمائي. إذا تذكرنا هذا جميعه، ونظرنا إلى العرض الفني في القصص القرآني لوجدنا عجباً، ولا عجب. فإنه تنزيل من السماء. إنما العجب هنا من الإعجاب. إن العرض القصيي في القرآن الكريم يتمشى مع أحدث ما وصل إليه الفن القصصي، وحتى نستطيع أن نتصور هذا دعونا نلقي نظرة إلى الكتاب إلى الخالد. إقرأ المزيد