تاريخ النشر: 30/06/2009
الناشر: سندباد للنشر والإعلام
نبذة الناشر:مجموعة نصوص تُغامر بالدخول في بُنى جمالية مُغايرة، مُكتنزة بالسحر، والتكثيف المذهل مع استكناه أبعاد اللعبة السردية التي تقوم بعملية كتابة ومحو بصورة مضمرة وخفية ربما لتحاول اكتشاف العالم بكل خفاياه وتوتراته في صيغ أسلوبية تميل للإلماح والإشارة والترميز. إنها تفكك العالم بكل جماله وقبحه لتعيد تركيبه بناءً على مخيلة ...نشطة وذكية.
أتصور أن الكاتب قد اختار هذا الشكل من النصوص القصيرة ليبسط خطابه الفكري مُضمخاً بعذابات هذا الجيل الذي واجه محنة الذات وعثرات الوطن وافتقاد الحس الإنساني؛ لذا نراه يقدم نصه على هيئة "اسكتشات"، بألوان أشبه بضربات فرشاة، وخطوط أولية لكنها تغوص في العمق وتضرب في الصميم. لو أنك وضعت تلك النصوص جنباً إلى جنب لتبدت لك الصورة مؤلمة، وقاتمة عبر بانورامية كاملة تشتبك مع قضايا الحياة فنجد حقول الممكن تتبادل مواقعها مع نطاقات المستحيل، بصيغ أسلوبية غاية في الجدة والابتكار.
لا يغيب عنا نبرة الحزن التي تتسرب عبر تلك النصوص، ولا روح الحكمة التي تتبدى في مشاهد غاية في العمق والفرادة فكأن الكاتب يوّلد الأضداد ويزواج الثنائيات ليقدم كشوفات جمالية تستبطن أسرار العالم دون أن يتورط في أحداثه. هي عين راصدة تظهر المفارقات، كما تلبي احتياجات ملحة داخلنا لفهم ما يحدث، وثمة رسائل حميمة يحملها "ساعي البريد" لنتأكد معه أن من يكتب تلك الرسائل هو نحن فترتد لنا الفجيعة مرتين.
قدرة حسن البقالي على المغامرة في الشكل لافتة للنظر فهو يكتب المشهد الواحد عبر أكثر من احتمال؛ وهو بذلك يفتح مجال الرؤية، ويزحزح اليقين في أشياء خلناها يقينية، ولكنه من منظور آخر يمتلك القدرة على إظهار الخبيئات السردية بصورة تدعو للدهشة، فيوشك على مقاربة المسكوت عنه وقبل أن نسقط في "فخ" التحديد والتأطير يصعد بنا درجات نحو أنساق رائعة من الحلم والرؤيا والإبحار في ذاكرة مدججة بالأرق.
نصوص فيها قسوة ومطاردة وبطش ورائحة دم تقربنا كثيراً من الآني والمعاصر؛ لكنها لا تكتفي بذلك بل تقدم على شيء ملح وضروري وهو أنها تتجاوز الأسس الأرسطية والمناطق السردية المستقرة وصولا إلى اجتراح آفاق جديدة تسقط العادي والمألوف والناجز حيث أن كل نص به مساحة للإغواء الشعري والمنطق الحكائي وأحياناً فضح القهر والتوق للانفلات من القبضة الحاكمة التي تشد الكائن البشري للأرض. نبرة الصدق تتداخل مع غرائبية الصورة حتى أن الذات تسكن في إحدى نصوصه بين شطري تفاحة فيكون النعاس الذي يساوق بين الحلم والفجيعة. جربت أن أضم النصوص في باقة سردية على هيئة "كولاج"، فوجدت مادة سردية ثرية للغاية تفضح كل محاولة للتجميل وتكشف الزيف وتؤكد معنى أن الحياة حلوة، وحرام أن نضيعها بجملة حماقات.
توجد لمحات مشهدية باهرة تدفع بنا للتأمل الهادئ والصعود درجات في سلم البحث عن إمكانية الفرح الإنساني الذي يعرفه المتصوفة ويجيده أصحاب الطريقة، فتنشأ سلسلة من التصورات حول قيمة اللغة ووظيفتها كما تتشكل مقارنة واجبة بين الإنسان البدائي حين عرف النار، فمسته قشعريرة المعرفة. وأعتقد أن هذا ما حققه حسن البقالي في هذه النصوص الرائعة حقاً. إقرأ المزيد