تاريخ النشر: 01/01/1987
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
نبذة المؤلف:أنا... أحمل صيف القاهرة على رأسي، في عيني، في قلبي، وأدب في الشوارع بلا كلال، يوليو يفرش السكك نارا، توشك الأشياء أن تتوهج، يتقرح تحت أبطي، ثنيات رقبتي، ما بين فخدي،.. لكنني أمشي، اندفع مثل جمل قديم، السير غناء داخله الذي كواه امتداد الفيافي الموحشة بلا دليل.
فقد أصبحت في الثلاثين ...ولم أنجز بعد شيئاً، مع أنني كنت دائماً مفعم القلب بالرغبات العظيمة، ولم أقعد أبداً راكدا في ظل جدار، وكل ليالي العمر لم أنم إلا قليلا.
ما أكاد أحط رحالي حتى أقوم، فالصحاب أجدبت فروات رؤوسهم وحلقت على أطلال ملامح وجوههم الكآبة، وشرفات المقاهي صاخبة بضجة لا تخترقها فجوة واحدة منصتة، الكراسي القائمة في توتر هندسي صلب عدائي، وغرف البيوت خانقة والحيطان متسخة مزينة بسوقية خالية من البهجة، والنساء ذابلات العيون ملولات، والسلالم عالية متربة، تصعد إلى أبواب ساخنة صامتة، أطرق الصمت الأخرس، وانتظر قلقا لينفرج الباب عن "لا" مبتسرة ضجرة قانطة.
لكن قاهرة يوليو لم تقتل بعد حلمي، أخوض الاختلاط المجنون مائلا بكتفي متفادياً الشراسة المستوفزة التي توشك أن تنفجر عند أدنى لمسة، أخلع قدمي من الأسفلت المصهور، تطل على واجهات متلوية بتموجات الضوء الباهرة، والقيظ كامن في الشواشي جائم على أكف الأوراق المغبرة.
أمد رقبتي إلى الأمام مثل النعامة، تستروح جبهتي الملتهبة نسمة باردة تستريح على سخونتها، وتعشعش في لحم صدري تحت قميصي المفتوح الأزرار، وأحلم بكلمة لي في أغنية متساوقة الإيقاع والأصداء، بحنان يترقرق في عينين ساجيتين، بقبلة في أمسية تتقطر فيها الأضواء والأنداء والنسيم والحنين.
وأخاف، وأخاف أن تنسد الدروب بالظلام والصمت، وتبرق في الأركان عيون الوحشة فأعود كسيراً، تنكفئ على حيطان غرفتي بيضاء معتمة بلا شبابيك، أفتح عيني في سواد الظلمة، وتسقط الهواجس على جسدي مثل ورود محترقة الأوراق. إقرأ المزيد