كان أبو حيَّان التَّوحِيدي – وبِحَقٍّ - عَلَمَاً من أَعْلام القَرْن الرَّابع الهجري ومن كِبَار أُدَبائه ومُفَكِّريه ، هذا القَرْنُ الذي بَلَغَت فيه مَباحِث الدَّرس النَّقدي العَربي الغَاية ، وفي وَسَط هذا الخِضَمِّ الزَّاخر من الدِّراسات الأدبية والنَّقدية المُتَخَصِّصة ظَهَر التوحيدي ، فَأَدْلَى بِدَلْوه وسَاهَم بِفَاعِلية وقُوَّة في هذا الحِراك . واسْتَوْعَب التَّوحيدي ثقافة عَصْره ، وما كان يَمُوجُ به من تَيَّارات واتِّجاهات فِكْرِية وفَلْسَفية وأَدَبية ونَقْدِية ، وأُتِيحَ له بِما امْتَلَكَه من قُدْرة بَيَانِية وذَوْق أَدبي ، أنْ يُعَبِّر عن ثقافة هذا العَصْر ويَنْطِق بِلِسَانِها ، وكان من ثَمَرة ذلك طَرْحُه للكثير من قضايا النَّقد ، وعلى الرُّغم من تَفَرُّق هذه الآراء والنَّظرات في مَواضع مُخْتَلفة من كُتُبه إلا أنَّها تَنْتَظِم انْتِظاماً واضحاً في شَكْل اتِّجاهات نَقْدِيَّة رَئِيسَة وهي ( الاتِّجاه اللُّغوي ، والاتِّجاه الجَمَالي ، والاتِّجاه المَوْضُوعاتي ) ، فَعَبَّرت هذه الاتجاهات عن حَقِيقة الفِكْر النَّقْدي لَدَيه من نَاحِية ، وعَبَّرت في الوقت ذاته عن الاتِّجاهات العَامة للنَّقد الأَدَبي القَديم في عَصْره وما سَبَقه أو لَحِقَه بِقَلِيل .

كان أبو حيَّان التَّوحِيدي – وبحق - عَلَمَاً من أَعْلام القَرْن الرَّابع الهجري ومن كِبَار أُدَبائه ومُفَكِّريه ، هذا القَرْنُ الذي بَلَغَت فيه مَباحِث الدَّرس النَّقدي العَربي الغَاية ، وُصُولاً إلى بِدايات القَرْن الخَامس ، حيث شَهِدَتْ هذه المرحلة تَطَوُّراً هائلاً في حَجْم الدِّراسات النَّقْدية ونَوْعِيَّتها، فَظَهَرت تلك الكُتُب النَّقْدية المُتَخَصِّصة التي أَكْمَلَت بِمَنْهَجِية عِلْمية واضحة، ما بَدَأَهُ اللُّغويون والأُدباء والعُلماء في القرون السَّابقة. وفي وَسَط هذا الخِضَمِّ الزَّاخر من الدِّراسات الأدبية والنَّقدية ظَهَر التوحيدي، ونَشَأَ في هذه البِيئة المُفْعَمة واكْتَمَل نُضْجُه ، فَأَدْلَى بِدَلْوه وسَاهَم بِفَاعِلية وقُوَّة في هذا الحِراك ..