تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات
نبذة نيل وفرات:إن في كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثروة معنوية تفرد له مكاناً خاصاً في الأدب العربي، وثروة مبنوية تجعل في كلامه متعة أدبية وجمالاً فنياً. فحكمه عبارات موجزة تمتاز بفكرة قوية هي ثمرة التنكير أو الاختبار، تخرج مقتضبة، رشيقة المبنى، تعلق في الأذهان بسهولة. ورسائله تمتاز ...بإيجازها، أما معانيها فهي صادرة عن رجل سياسة وإدارة. والكلام طبيعي لا يخلو من التنميق البديعي الذي ينزع نزعة الإيجاز والجزالة، فلا إطناب ولا اضطراب ولا إسفاف. أما خطبه فهي أصدق صورة لنفس الإمام عليه السلام أودعها أعطر ما في قلبه من التقوى الحقيقية المرتكزة على إيمان وثيق بالله، وإعجاب بمخلوقاته، وزهد بالخيرات الزائلة، وإيمانه عليه السلام ناطق في كل موعظة من مواعظه، فهي معطرة بذكر الله، تتصاعد منه صلوات حارة جميلة كأجمل ما قيل في حديث الإنسان إلى ربه، ثم ينتقل الإمام عليه السلام من عواطف الإعجاب بمخلوقات الله وكمالاته إلى عاطفة الزهد في الدنيا، ثم ينزل إلى ميدان الحياة فيعمل على مناصرة الحق ليظهر على الباطل في السياسة والاجتماع. وهكذا فإن عبقرية الإمام عليه السلام تتجلى بوضوح في كتاب نهج البلاغة، فهي قائمة على عقل ذكي واسع الإدراك، عميق لا تفوته دقائق الأمور، وعلى خيال واسع الآفاق دقيق التصور، واضح المعالم، أضف إلى ذلك ملكة الكلام ومعرفة بديهية بوسائل التعبير وأساليب الفن، فلا عجب بعد ذلك إذا كان كتاب "نهج البلاغة" ثروة فكرية وأدبية واسعة، ففيه الدعوة الملحة إلى العمل بشعائر الدين وإلى اتباع تعاليم القرآن الكريم وتعزيز كل ما هو شريف الغاية، والحثّ على السير في سبيل الفضائل، وهو يجمع الدين إلى الاجتماع والسياسة، ويجعل الدين أساساً لها، فهو يريد مجتمعاً يجري على سنن العدل والمساواة والحرية.
وفي الكتاب إلى جنب هذه التعاليم آراء شتى في الفلسفة الماورائية والفقه، ومعلومات تاريخية جمّة، مما يجعل له محلاً رفيعاً ومرموقاً في عالم الأدب والدين والاجتماع. وقد تصدى لشرح نهج البلاغة كثيرون من العلماء والفضلاء وبلغت 210 شرحاً، لعل أعظم هذه الشروح وأطولها وأشملها بالعلوم والآداب والعارف، هو شرح عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المدائني الذي نقلب صفحاته، وابن أبي الحديد عالم بالأدب، له شعر جيد واطلاع واسع على التاريخ.
وبالنسبة لشرحه فقد التزم أن يقسم الكلام فصولاً فيشرح كلمات كل فصل شرحاً دقيقاً مشتملاً على الغريب والمعاني وعلم البيان، وما عساه يشتبه ويشكل من الإعراب والتصريف. ثم يورد ما يطابقه من النظائر والأشباه نثراً ونظماً، ثم يستطرد إلى ذكر ما يتضمنه من السير والوقائع والأحداث، ويشير إلى ما ينطوي عليه هذه الفصل من دقائق علم التوحيد والعدل إشارة خفية، ويلوّح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب والأمثال والنكت تلويحات لطيفة، ويرصّعه بما يشاء من المواعظ الزهدية والزواجر الدينية والحكم النفسية والآداب الخلقية المناسبة لِفِقَرِه والمشاكلة لدرره، ثم ينتقل إلى الفصل الذي يليه، وهكذا.
هذا وإن من يطالع هذا الشرح يجد أنه موسوعة متكاملة، فيها من كل العلوم من التأريخ والعقائد وتفسير القرآن والأدب واللغة والبلاغة الكثير الواضح، ومن هذا المنطلق فقد عمل على إلحاق هذا الشرح بكتاب فهارس مستقل، تسهل على الباحث بين طياته عن معلومة معينة لكي يستفيد منها في بحثه أو مطالعته، حيث تمّ إعداد (14) فهرساً، بوّبت فيه المعلومات المهمة والمطلوبة، والتي من المعتقد أن يحتاج إليها الباحث أكثر من غيرها. كما تمّ تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة وفهرسةٌ للألفاظ التي بيّن الشارح معانيها اللغوية، وفهرسةٌ لما أورده الشارح من الأدب والشعر، ولأسماء الأعلام الذين ترجم لهم الشارح، وللملل والنحل والمذاهب والفرق الإسلامية التي ذكرها الشارح، ولأسماء القبائل والجماعات وكذلك الحيوانات التي وردت في متن الشرح. إقرأ المزيد