بنية السيرة الشعبية وخطابها الملحمي في عصر المماليك
(0)    
المرتبة: 113,776
تاريخ النشر: 01/01/1999
الناشر: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
نبذة نيل وفرات:السيرة الشعبية هي تزاوج متعادل بين حقائق التاريخ والقوة المتخيلة البارعة في الحذف والإثبات والبناء، والواقع أن الرواة (الحكواتي) المتأثرين بأحداث عصرهم وميول الطبقات الشعبية المستمعة إليهم، استعاروا من التاريخ شخصيات عرفت بشجاعتها وفروسيتها واحتفظوا بالأحداث التاريخية الكبيرة المعروفة عنهم غالباً.
أما فيما عدا الأحداث الكبيرة فقد تصرف الرواة على ...هواهم، وفق نسج خيالهم محاولين نيل إعجاب مستمعيهم بإدارة أحداث السيرة بالشكل الذي يجعلها ترد على ما أثاره عصرهم من تحدٍّ.
وإلى هذا؛ فقد كان رواة السيرة الشعبية ينطلقون من منطلقات أدبية فنية لأن منطلقات تاريخية توثيقية، فقد كانوا يطمحون إلى تقديم سيرة شعبية أدبية، فاختاروا إنطلاقاً من رغبتهم في إقناع مستمعيهم، وإضفاء مسحة من الصدق على عملهم أن يتكئوا على التاريخ؛ ويستمدوا منه شخصيات أبطالهم.
فكانوا بعملهم هذا أذكياء وحاذقين، فهؤلاء الأبطال الذين يشكلون جزءاً من تراث الأمة، ويعيشون في لا وعي الطبقات الشعبية أكثر قدرة على تحريك هذه الطبقات من الأبطال الخياليين، وهم في هذه الخطوة لم يخطئوا من الناحية الفنية، ولم يتجاوزوا حدود الخلق الأدبي والإبداع الفني، فهاهم أدباء الغرب يحذون حذوهم بعد مئات السنين فيستعيدون شخصياتهم من ثنايا التاريخ بدون أن يعيروا هذا التاريخ إهتماماً كبيراً.
فالقاص الشعبي لا يروي التاريخ الذي مضى، ولا يكتب تاريخاً للماضي، بل هو يروي بشكل أدبي تطلعاته وأمانيه مستعيناً بالمادة التاريخية، ومحملاً إياها هموم هموم الشعب وآماله، فالشخصية الأدبية في هذا النوع من القصص لا تصبح ذات أهمية ودلالة إلا من حيث هي معبرة عن جماعة إجتماعية.
هذه الشخصية المعبرة عن الجماعة هي التي سعى إليها الرواة والطبقات الشعبية على السواء، وهذه الجماعة هي مفتاح السيرة الشعبية وهي التي تعطيها أبعادها ودلالاتها.
من هنا، تأتي أهمية هذه الدراسة التي * السيرة الشعبية وتحديداً في العصر المملوكي، في محاولة للفوضى في عالم الأدب الشعبي كما تجلى في سيره لإكتشاف معالم بنية السيرة الشعبية ودلالات عناصرها ووحداتها الفنية وتلمس علاقة السيرة بالعصر المملوكي وما حفل به من أحداث جسيمة ومواقف خطيرة ومعتقدات راسخة وتطلعات متلهفة.
الهدف من ذلك المساهمة في توضيح السير الشعبية وإظهار دورها الإجتماعي الفاعل وإلى إكتشاف هويتها وماهيتها، إذ أن النظرة السلبية إلى هذا النوع الأدبي من القصص ما زالت قائمة وتتجلى أحياناً في إعتبار أهمية الأدب الشعبي تنبع من كونه مرآة للطبقات الشعبية تظهر معتقداتها وآرائها وأفكارها وعاداتها فقط.
لكن الباحث في دراسته هذه يحاول إظهار فكرة اعتمدت في نفسه؛ وهي أن أهمية السير الشعبية إنما تنبع من فنيتها ومن خطابها الشعبي فلا تختلف في ذلك عن الأعمال الأدبية التي تقف شامخة في المحافل والمنتديات الثقافية.
من هنا، كان المنهج البحثي منهج وضعي إستقرائي بحيث كان الباحث بدع النص يتكلم، يعبر، يوضح، يفضح، ليأتي دوره في الفوضى في الجانب المهمل أو اللامفكر فيه لإقتناص الدلالات والإبعاد التي تنقلت من المعنى والبنية والخطاب الشعبي. إقرأ المزيد