تاريخ النشر: 01/01/1986
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية
نبذة نيل وفرات:تحوز دراسة سياسات القوتين الأعظم وصراعهما حول العالم الثالث -على اختلاف مناطقه- وفي المنطقة العربية بصفة خاصة، اهتماماً يفوق الاهتمام الذي تحظى به دراسة دور الدول، أو القوى الثانوية في هذه المناطق. وتعد المنطقة العربية من أهم النظم الإقليمية الدولية التي تعاني من مشاكل وصراعات هامة يبرز فيها بوضوح ...دور العامل الخارجي. سواء بالنسبة للصراع العربي-الإسرائيلي: الذي يمثل القضية المحورية للسياسات العالمية حول هذه المنطقة، أم بالنسبة لتحد من نمط آخر -وإن كان لا ينفصل عن الأول- أي تحدي التنمية الاقتصادية العربية.
وتعد أوروبا الغربية (ككيان جماعي تجسد في شكل الجماعة الأوروبية الاقتصادية منذ سنة 1958) قوة ثانوية في دائرة السياسات الدولية. وهي تحاول أن تدفع بقواها الذاتية وتؤكد وجودها العالمي -اقتصادياً وسياسياً- لتصل إلى مرتبة القوة الثالثة إلى جانب القوتين الأعظم. ولقد ربط بين أوروبا الغربية والمنطقة العربية حلقات متصلة من التفاعلات المتنوعة والمتأرجحة عبر التاريخ الممتد ما بين أخذ وعطاء، استقلال واستعمار، تعاون وعداء، اعتمادا وتبعية.
وفي محاولة لفهم طبيعة العلاقات الأوروبية-العربية المعاصرة يطرح السؤال التالي نفسه: هل يمكن الحديث عن دور أوروبي في المنطقة العربية؟ ولماذا؟ وما هي ضرورته؟ وما هي أبعاده؟ وما هي أهم محددات تشكيله من ناحية، وفعاليته من ناحية أخرى.
وتقدم هذه الدراسة محاولة للإجابة عن هذا السؤال المتفرع، فهي تنصب على مشاكل التطور المعاصر للعلاقات الدولية حول المنطقة العربية، ولكن من خلال منظار يتجه للبحث في أبعاد وحدود دور أوروبا كفاعل خارجي في هذه المنطقة.
وغاية الدراسة هي أن توضح -أمام البلدان العربية- بعض المؤشرات حول الأسلوب الأمثل لتعبئة المساندة الخارجية عند التعامل مع المشاكل الجوهرية ألا وهي الصراع مع إسرائيل من ناحية، وتحديات التنمية العربية من ناحية أخرى. فهل هناك فرصة لقيام قوة ثالثة بدور بديل -أو مكمل- لدور القوتين الأعظم في المنطقة؟ وكيف ولماذا؟ وما هو هدف الجانبين العربي والأوروبي؟
إن منطلق الدراسة على هذا النحو يفرض أن تكون البداية مع تمهيد نظري حول أسباب الاهتمام بدور قوى ثانوية عند دراسة العلاقات الدولية للعالم الثالث بصفة عامة، والعلاقات الدولية العربية بصفة خاص. ويترتب على هذا التمهيد عدة افتراضات توجه تحليل جذور ومصادر الاهتمامات الأوروبية من ناحية، وأبعاد السلوك الاقتصادي والسياسي الأوروبي من ناحية أخرى، ومحددات هذا السلوك من ناحية ثالثة.
ومن ثم تنقسم الدراسة إلى جزءين أساسيين: أولهما: موضوعه السياسات الأوروبية في المنطقة. وبالرغم من أن محور هذه الدراسة هو عرض صورة العلاقات المعاصرة بين الجماعة الأوروبية، وبين العرب من خلال منظار الصراع العربي -الإسرائيلي (الفصل الثاني)، والعلاقات الاقتصادية (الفصل الثالث)، إلا أن فهم هذه المرحلة يقتضي إلقاء نظرة سريعة على الخبرة التاريخية (الفصل الأول)، وذلك لتحديد نمط تطور الاهتمامات والمصالح والسياسات الأوروبية من النمط التقليدي (الفردي) إلى النمط الجماعي.
وثانيهما: يتعلق بالمحددات، أي تحليل المتغيرات التي تحكم تشكيل وفعالية الدور الأوروبي -سياسياً واقتصادياً- حتى يمكن تقدير إمكانيات التوجه العربي لتكريس إيجابيات هذا الدور من ناحية، مع عدم الانخراط في موجهة من المبالغة في تقدير إمكانيات الدور الأوروبي كبديل ثالث من ناحية أخرى. وتنقسم المحددات إلى ثلاث مجموعات: عربية وأوروبية ودولية. ولا تنفصل تأثيرات هذه المحددات ولكنها تمثل شبكة متداخلة ومتكاملة. كما سيتضح من التحليل التراكمي النهائي في الخاتمة. ويعد هذا العمل الذي تقدمه صفحات هذا الكتاب حلقة من حلقات تطور الاهتمام الأكاديمي والبحثي للمؤلفة. إقرأ المزيد