تاريخ النشر: 01/01/2021
الناشر: إمتياز للتدريب والإستشارات
نبذة نيل وفرات:إن الوعي بالدستور الإسلامي هو الذي أضفى السمة الخاصة على الفتوحات الإسلامية التي ميزتها عن التوسع القبلي غير المنظم والمغاير في مقاصده، كما أن هذا الوعي كان مقروناً بإيمان لا يلين بنظام أخلاقي سامٍ صان هذه الحركة التوسعية على المستوى الأخلاقي الدقيق مما أفضى إلى توسع الإسلام خارج الأراضي ...العربية بسرعة مدهشة.
وقد ثار نزاع كبير حول الطبيعة الحقيقية لهذا التوسع، وقد أثار نقّاد الإسلام قضية أن الإسلام انتشر بالسين وحده، وهذا يعدّ من تشويه الحقائق، إذ أن التفسير الحقيقي لظاهرة انتشار الإسلام بوصفه مركباً دينياً وسياسياً، هو أن الإسلام أصرّ على توظيف السلطة السياسية لهذا الغرض عن طريق نظام سياسي محدد، فهو لم يجبر الناس على القبول بعقيدته، لكنه أصرّ مع ذلك على توظيف النظام والسلطة لأنه عمدّ نفسه المستأمن على إرادة الله التي يجب أن تسود على الأرض عن طريق نظام سياسي محدد، وهذا عجّل من أسلمة شعوب البلاد التي تم فتحها.
وكان الوعي الإسلامي لا يستنكف عن النظر إلى معجزات الحضارات الأخرى والتوسل بتطوراتها، فعلى الصعيد القانوني استوعب دساتير البيزنطيين والفرس وعناصر محلية أخرى من أجل تطوير نظام إداري فاعل وعوائم.
وكان لإستفادتهم من التراث الهلينستي (أي الأغريقي) أثرٌ في تسريع إنتاج تراث فكري ضخم ترامى على حقول معرفية متنوعة كالحديث والفقه والتاريخ والعربية.
وكل هذا التأثر والتبادل والإستبدال لم يمنع التاريخ الفكري الإسلامي أن يكون ذا نسق مميز في تاريخ البشرية قاطبة.
وأما الموقع الجغرافي لمركز الإمبراطورية الإسلامية فقد سهل عليها هذا التطور؛ مع ما حظي به البلاط من شخصيات عربية مسيحية ذات مكانة رفيعة أو ثقافة هلنسية ثم الإستفادة منها، وقد شهد العصر الأموي نموّ العلوم الدينية العربية المبكرة في الإسلام؛ ولكنه لم يدم طويلاً ليرى بلوغ تطور الإتجاه العقلي التام في الإسلام.
وكان العصر العباسي قد شهد ردم الهوة التي فصلت الديني عن الدولة في العهد الأموي، وسرّعوا في النهضة الفكرية في الإسلام عن طريق الترجمة المدعومة رسمياً للفلسفة والعلوم اليونانية.
والعلاقة البارزة هنا "بيت الحكمة"، وقد كانت هذه الترجمات بمثابة الباب الذي تغلغل منه فكر خالص أدى إلى ظهور المعركة الدينية العقلية.
وفي ظلّ الخلافة العباسية ظهرت الشعوبية (القومية) الفارسية والعربية بتجلٍّ كبير، فبعد أن رُدِقت الإدارة الإسلامية بطبقة من المتعلمين الفُرس فتح باب التنافس والجدل العميق، ومع بلوغ القرنين الرابع والخامس أخذت اللغة الفارسية بالظهور على السطح بإعتبارها وسيلة للتعبير الأدبي، فوفّت بالطموح الفارسي.
وكان لتأثر المسلمين بالحضارات الأخرى وجه آخر بمثابة صدمة دفعتهم للإبداع معنوياً ومادياً، وكانت هي المرة الأولى التي تساهم فيها حضارة في تطوير البشرية، وانفتح التقدم الفكري بدراساته، وبلغ إلى التاريخ الموضوعي، وتاريخ الأديان، وتميز المسلمون كذلك بالجغرافيا، وفي تبيّن فعل القوى التاريخية الطبيعية كما عند ابن خلدون...
وهكذا وصولاً إلى تطور الإسلام اليوم، وضمن هذه المقاربات يأتي هذا الكتاب الذي عمد المؤلف من خلاله إلى عرض الإسلام في تطوره العام خلال أربعة عشر قرناً، ومنهجيته في ذلك الأسلوب التأويلي وصولاً إلى إظهار جانب من الإتساق والمنطق الذي يرتب أحداث التاريخ خلف بعضها وبطريقة منطقية تفسّر وتربط وتستنبط الأسباب والعلاقات والنتائج التي استطاع المؤلف التوصل إليها في رحلته البحثية هذه.
أما المنطلق والهدف، فقد سعى المؤلف من خلال هذا البحث لفت الإنتباه أولاً إلى الاهتمام بالنية الداخلية للأمة المسلمة لا إلى الاهتمام بعددها في العالم وتزايده ونموّه، بالإشارة إلى أن الإسلام إنما يسعى إلى تأسيس أمة إسلامية تعبّر عن الهوية الروحية والأخلاقية لديها.
وإن ما يكوّن هذه "الأمة" إنما هو التسليم الواعي بسمتها بوصفها المؤتمن الأول على إرادة الله "الشريعة" وهذه الأمانة تتطلب أن تتعهدها مؤسسات الشريعة الحكومية والجماعية، فالشريعة إنما تمثل دستور الأمة الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي ضمن سلسلة مداخل النهوض الحضاري، وهو ملخص كتاب "الإسلام" لمؤلفه د. "فضل الرحمن".نبذة الناشر:كتاب "الإسلام" لفضل الرحمن مرجع بالغ الأهمية، لذلك اعتمدته جامعات غربية عدة مرجعاً أساسياً في الدراسات الإسلامية. وهو مرجع يمكن أن يفتح أفقاً مضيئاً في البحث والدراسة في الجامعات الإسلامية وكليات الشريعة والمعارف الإسلامية في المجال العربي. وبشكل خاص يمكن الإفادة منه في الدراسات العليا في حقول: فلسفة الدين وعلم الكلام والدراسات القرآنية وغيرها من الدراسات الإسلامية. إقرأ المزيد