التوحيد عند ابن تيمية ؛ سماحة المرجع الديني السيد كمال الحيدري
(0)    
المرتبة: 180,822
تاريخ النشر: 06/02/2019
الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:التوحيد من صفات الله تعالى، وهو صفة سلبية؛ بمعنى "نفي الشريك" وهو مقدم على الصفات الأخرى، فهو الأصل الأول من أصول الدين، ولذا كان الإهتمام الديني منصبّاً على التوحيد، وليس على إثبات وجود الله تعالى، فما خلا شرذمة من الناس - هم الملاحدة - ليس هناك من لديه شكّ ...في وجود الله سبحانه وتعالى.
إن الإنسانية لا تعيش مشكلة إلحاد على المستوى النظري ليكون هناك ما يسوّغ تركيز الجهود على إثبات وجود الله سبحانه، فالواقع الإنساني كان ولا يزال يعيش الإيمان بالله متجه صوب الإيمان دائماً.
وإذا كانت البشرية تعيش مشكلة على هذا الصعيد منذ فجر وجودها حتى قيام الساعة؛ فإنما هي في مجال التوحيد ونفي الشريك، والشرك يسرى - ولو بشكل خفيٍّ - حتى في كثير من المؤمنين؛ قال تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾... [سورة يوسف آية 106].
لذلك لّخص الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كل القضية بقوله: "وكمال التصديق به توحيده"، وعند العودة إلى القرآن الكريم نراه يُعنى بالتوحيد ويؤكده في نفسه وفي آثاره التربوية والنفسية والإجتماعية بما لا يوازي تأكيده وعنايته بأيّ موضوع عقديٍّ آخر؛ إلا الحصاد الذي يؤكده ويعنى به في نفسه وما يترتب عليه من آثار تربوية وإجتماعية بما يفوق تأكيده وتركيزه على التوحيد.
وإذا ما أشرفنا على المسألة من جهتها الأخرى حيث يقابل الشرك التوحيد، ستبرز تجليات وآثار أخرى للتوحيد في الحياة العملية، يحسب الإنسان نفسه موحِّداً، بيد أنه في الواقع مشرك، يتحرك تحرّكاً شركيّاً، وكل ما هنالك هو الإختلاف في مصداق الشرك، فبعض مصاديقه واضح وبعضها خفيّ، وبعضها ملتبس.
وقد تظافرت الأحاديث في أن الشرك ينقسم إلى جليٍّ وخفيٍّ، وأنه أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء! لذلك لا ينبغي أن ينحصر تصوّر الشرك في أذهاننا على مصداقه الواضح الذي ينصرف إلى عبادة الأصنام، وإلا فهل يتجه إلى الصنم ويتوسل إليه هو وحده المشرك، أما الذي يتجه إلى عبادة المال أو إلى عبادة هواه وإطاعته فهو موحّد؟!...
لا بد من العودة إلى كتاب الله تعالى لننظر الحدود التي يرسمها بين التوحيد والشرك؛ يقول تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾... [الجاثية: آية 23].... ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾... [سورة القصص: آية 50]، ثم يأتي النهي عن إتباع الهوى ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾... [سورة النساء: آية 35]، ﴿أَوَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾... [سورة الكهف: 28].
ولقد كان لهذا النهي أهميته نظراً للمشكلة التي تعود على الإنسان إذا ما جهل مراتب الشرك، حيث يقول تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾... [النساء: آية 48].
وإلى ذلك، فإن المنهج القرآني في التوحيد يتجنب البحث في إثبات وجود الله ويتناول موضوعه في زاوية توحيد وجودة وألوهيته وربوبيته وغيرها من مراتب التوحيد؛ ومغزى ذلك أن القرآن الكريم يتعامل مع وجود الله تعالى كأمرٍ ثابت جُبِلَ عليه الإنسان، مودعٍ في فطرته ﴿فطرت اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾... [سورة الروم: آية 30].
وإذا كان كلّ إنسان مولوداً على الفطرة - كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، يعني: المعرفة بأن الله عزّ وجلّ خالقه" - إذن فكل إنسان مولود على التوحيد؛ لأن الفطرة هي التوحيد ومعرفة الله سبحانه، وهكذا صار الأصل الأول من أصول الدين توحيد وجود الله تعالى لا إثبات وجوده...
وحول هذا الأصل الأول "التوحيد" وما جاء حوله عند الإمام ابن تيمية تأتي هذه الدراسة، حيث تضمنت مقدمات تمهيدية وأربعة محاور دارت حول المواضيع التالية: 1-مكانة التوحيد في الفكر الديني (أهمية التوحيد، فطرة التوحيد الكمال والمعرفة التوحيدية، حقيقة التوحيد والمراد منه وأقسامه، أساس المعرفة التوحيدية)، 2-أقسام التوحيد الذاتي (أقسام التوحيد بين المدارس الإسلامية، المفكرون للتقسيم الثلاثي للتوحيد، الخلط بين أقسام التوحيد، الأساس في أقسام التوحيد)، 3-إتجاهات معرفة الله تعالى (أقوال وكلمات المجسمة: ابن تيمية، ابن قيم الجوزية، الإمام الدرامي أبو إسماعيل الهروي، القاضي أبو يعلى الفرّاء، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، إعتراضات أصحاب هذا المنهج على كتاب فتح الباري، فتاوى التكفير في مسألة التجسيم، أتباع ابن تيمية والخلاف مع ابن حجر)، 4-معرفة الصفات الإلهية ومواقف المدارس منها (معرفة الصفات ومدرسة التجسيم، الصفات الإلهية والمفاهيم المادية المحدودة، ثلاثة إتجاهات في الصفات: المشبهة مناقشتهم، المعطلة ومناقشتهم، إمكانية المعرفة: التفكيك بين المفهوم والمصداق، أصول واركان الإتجاه التجسيمي...). إقرأ المزيد