تاريخ النشر: 23/03/2018
الناشر: هيئة البحرين للثقافة والآثار
نبذة نيل وفرات:الخطوط أفكار تبدو كأنها تتبع بمنتهى اليسر وفقاً ، وتنتظم في إيقاعات متناغمة كأمواج أو تتصالب وتكاد تتصادم في الهواء كسهام تتدافع نحو هدف حين تكون منطلقة من القوس نفسها ، بإمكان أحدها أن يتكسّر على الآخر ، فتلتف كشريط وتنجح في أن تفجّر ، بنوع من السحر ، ...استقامتها المتفاخرة في جعدةٍ معدنية تخرج من نصلٍ لم يعد نصلاً . السهم فكرة قوية عن خط يصبح لا إرادياً أرابيسكياً ، وما عنفه المنصب فوق سهم آخر إلا مزحة ساخرة من الطبعة : كالأشياء السريعة المأسورة من أطراف أخرى بطيئة ، ولحظة أبدية ( قرون وعلٍ " نامية داخل " جزلِ بلوط ، أو فراشتان سوداوان ظلتا في اتصال عشقي داخل نواة كهرمانة شفافة قاسية ) ، منقطة يولد العالم ، وباثنتين . حياة هي في الأصل خط واحد ، كثير من الخطوط ينمو ويصبح سوراً منتظم الحجار ، ومدينة حيّة أو ميتة ، بداية ثمة خط على الأفق حين لم يكن على وجه التقريب شيء آخر . بعد ذلك ثمة أعلى وأسفل ، يسار ويمين ، مستقيم ومعكوس ، وبداية ونهاية : كل ما يحيط به بصرنا . ليس بالمستطاع تجاوز كل خطّ عبثاً لكونه ليس ثابتاً أبداً أو لأنه يصبح شديد الإرتفاع . الخط يوحّد ، أي نعم ، إلا أنه يفصل ، يصح سهماً موجهاً ، أحياناً لا يمكن الإمساك به ، وأحياناً أخرى ضارباً يخترق القلب . إن طول الخط باتجاهه يصل بين نقطتين ويمر عبر لحظتين ليصبح قياساً من شأنه مقارنة التماثل وإبراز الإختلاف .. الخيوط كالأفكار ، تتجمع في حزم من عصيّات خالقة الوهم بدوامٍ مظفّر وأبدي . السرّ يكمن في تنسيلها وتقطيعها واحداً إثر آخر . الخط المستقيم يشكّل نصراً ، والمتقطع هزيمة . إلا أن الخط المتقطع ينتصر على ذاك المستقيم ؛ لأنه يكون من واحد مستقيم أو من خطوط أكثر بمقدورها الذاهب في كل الإتجاهات ، لذلك نتحرر من جمود الخط الواحد .. الحياة خط .. والفكر خط .. والحركة خط .. كل شيء خط .. الخط يصل بين نقطتين .. النقطة لحظة .. الخط يبدأ وينتهي في لحظتين .. وما دامت النقاط تمثل بدايات الخطوط ومنها يأتها ؛ فاللحظات - كما قد تكون عند كبار الرسامين - هي نهاية كلّ مدى زمنيّ وبدايته - واليد التي تتقفى وتثبت خط ما تقبض على الزمن وتمنحه شكلاً .. يصبح الخط وجدان لحظة زمنية ... [ ... ] تأملات .. بل هي فلسفة شيقة يغرق فيها المؤلف لاكتناه .. معنى الخط .. أو إيحائاته ... ينجح إلى قدر كبير في تحريك خيالات القارىء .. وعيه .. ولا وعيه .. فما هو المؤلف وقد وصل إلى اعتبار أن من شأن الخط الصحيح رسم مزيّة الإبداع الأخلاقية ، لذلك يكون الخط المعماري بمثابة اللون .. فضلاً عن ذلك يماثل الخط أخدوداً ممدداً على الأرض ، لذلك يصبح بالإمكان مقارنة الحقل المحروث بصفحة مكتوبة .. فالكتابة تتبع خطّاً ، وتنتظم في سطور ؛ إما مستقيمة وإما منحنية ، وسمة الكتابة نفسها خطّ سرعان ما يتعرف إليه وقت تشبثه بالسطر اللاحق مثلما فعل بسابقه . الأرقام العربية أيضاً خط محسوم في حدّ ذاته ، إلا أنها أيضاً خطوط منحنية أحياناً ومتصالية أحياناً أخرى ، مستقيمة أو مدوّرة ، بمقدورها التعامد والتموضع عمودية لعملية العدّ ... والمؤلف يتفطن لذلك كله .. يتفطن لذاك الخطّ الذي يكاد لا يرى ، والذي يفصل الضوء عن الظلّ كمسير قافلة فوق الرمال أو إبحار سفينة في اليم برحلة ما إن طويت ذات مرة وتكررت حتى غدت خارطة أو دليل إبحار .. هكذا تتقارب الخطوط في هذا الشأن أحدها من الآخر ، وتصبح متوازية كالمسارب أو تندد إتجاهات ... هكذا يأخذك الكاتب إلى عالم الخطوط بفلسفاته .. عالم لم تفطن إليه .. من خلال مقاربة غير مألوفة للخط ، من جهة تعاريفه وأنواعه وأوضاعه .. واستعمالاته في الفن والمعمار .. وأيضاً الخط بسيط ومعقد في الفن .. هو للوصل وللفصل ، يستقيم ، ينحني ، يحبو ، يحاذي ، يتحرر بين لحظتين ، في الضوء والظلّ . أما المعماري فله خطّه ونقطته ... وأخيراً يمكن القول أن في هذا الكتاب ما يساعد القارىء على الإقتراب من مفاهيم ورؤى وتأملات ومقترحات مثيرة وكثيرة ؛ يوحي بها رسم خطّ تعودنا ألا نرى فيه كل هذا ... إقرأ المزيد