تاريخ النشر: 01/01/1975
الناشر: مكتبة العرفان
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:"لا يحزننك والله أعنات القوم فعليهم ضلالتهم، وأنى أنا يا رسول الله عونك! أنا حرب على من حاربت!.."
أجل قد كان هذا شعاره في الحياة وكان هدفه الذي لم تمل عنه عيناه. نصرة محمد كانت هدفه، فمن ورائها انتصار دين الله. وعند ما طوى اللحد ذلك الآتى إلى العالمين بالنور، ...قام على من بعده يتهيأ لقيادة الناس على النهج الواضح المرسوم. وكان قد وجد في قلبه القدرة على الاضطلاع بالأمر ومجالدة الأحداث -التي أخذت تجتمع في الآفاق محاولة أن تحجب هذا النور- فنذر نفسه شباباً، كما نذرها من قبل صبياً، ووهبها لغايتها المثلى.. فأما وقد افلت من بين يديه حكم الناس، فإن أداته لنصرة دين الله وأعلاء شأنه ما زالت بعد تحت يده: مجلوة بتارة وإن احتواها قراب!..
وألقى ببصره إلى جانب من الغرفة فعلق فيه بسيفه الذي أهداه محمد إياه. وامتلأ قلبه زهواً وهو يرمقه إذ كان كبضعة منه. واكتسى وجهه بلون من الرضا المشوب بالعزم، وهمت يده أن تمتد فتسله وتداعب نصله لولا أن نما إلى سمعه صوت قال: "أبو بكر!..".
فتلفت ناحية الباب ليرى الشيخ الجليل مقبلاً عليه، في ناطريه ابتسام، وعلى محياه هدوء وسلام، وقد سار نحوه مشوقاً يهتف به في صوت رقيق النبرات: "السلام عليك يا أبا الحسن..."
ولكن عواطف القلوب كانت أبلغ من كل تحية وكلان، فما أن تقابل اللحظان حتى اعتنق الصاحبان القديمان، وراحت قطرات من الدمع تترقرق في مآقي الشيخ ثم تنثال في رفق بين شعيرات لحيته البيض. وبدا الصمت لهما هنيهة خيراً من ألف حديث.. وتقبل علي بالرضا وراحة الفؤاد هذا البياض الذي تكشف عنه قلب أبي بكر في دقائق اللقاء، فقد ظل كعهده نقاوة وصفاء ولم تغيره قطيعة ولا خلاف. لكأن قلبيهما كانا شطرى قلب.. أما الشيخ فلعل الأريحية التي بدت له في هذه اللحظة من صاحبه والتسامح الذي بلغ إلى حد نكران الذات، كان بعض ما حرك قلبه وأرسل الدمع صيباً من عينيه..
وأما الشاب فلغير مثل هذه العوامل الشخصية وجه دعوته يستقدم خليفة الإسلام، وإن كان قد اتخذ التسامح والإريحية مطايا لبلوغ ما أراد.. وما كان له من مأرب إلا أن يرأب صدعاً. أو يهيئ رشداً، أو يهز سيفاً في سبيل مجد الإسلام.
هكذا يتابع "عبد الفتاح عبد المقصود" ذكره للأحداث التاريخية ملماً بدقائقها ومفصلاً القول يسيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، متابعاً حيثيات حياته الشخصية والسياسية ملماً بكافة الأحداث التاريخية التي كان لها أثر مباشر في صياغة هذه السيرة وتوجيهها. إقرأ المزيد