تاريخ النشر: 01/01/1984
الناشر: عويدات للنشر والطباعة
توفر الكتاب: يتوفر في غضون 48 ساعة
حمّل iKitab (أجهزة لوحية وهواتف ذكية)


نبذة نيل وفرات:يجمع المؤرخون المعنيون بدراسة عصور ما قبل التاريخ على أن المجتمعات البشرية الأولى قد نشأت في الشرق. في وقت لم يكن لبقية شعوب العالم القديم تاريخ بعد، نجحت تلك المجتمعات في أن تشكل دولاً بفضل تطورها السريع. وقد لعبت بابل (التي يخلط البعض بينها وبين بلاد ما بين النهرين ...أو العراق اليوم) دوراً بارزاً. ففي وسط تلك البقعة الفسيحة من الشرق الأوسط الذي يحده غرباً البحر المتوسط، وشمالاً جبال القوقاز، وشرقاً حدود إيران الشرقية، وجنوباً الخليج العربي، وحيث ظهرت حضارات مختلفة، نشرت بابل لواء حركة ثقافية موحدة. ونظراً لوقوعها بين الهضبة الإيرانية في الشرق، وهضبة آسيا الصغرى في الشمال الشرقي. وهاتان الهضبتان هما امتداد لسهب آسيا الوسطى الكبير الذي انطلقت منه التحركات الكبرى لشعوب العالم. ونظراً لكونها محكومة من الغرب بصحراء الشام الكبرى التي كان يعبرها البدو الساميون، فقد توصلت بابل إلى هذه الهيمنة بفضل الجهد العنيد لدى شعبها المقيم.
وما أن نشأت الحاضرات الأولى حتى شرعت بتنظيم مجاري نهريهما الكبيرين: دجلة والفرات، وبانتزاع التربة من فيضاناتهما، فاكتسبت أرضها خصوبة أسطورية. وقد استوطن السومريون منذ فجر التاريخ السهل الجنوبي من بلاد ما بين النهرين، وهو سهل أصبح أكثر غنى من المقاطعات المجاورة، وإليهم يعزى دور رئيسي في توفير المقومات الأساسية لحضارة الشرق الأوسط. وقد تم تبسيط تلك المقومات أو تحويرها بفضل إسهام الساميين.
ويلاحظ المرء منذ القديم وجود جماعات من البدو كان أهمها جماعات الغرب المؤلفة من الساميين. أما التنقلات التي لم يهدأ لها سبيل، وأحياناً التنقلات الفعلية، فقد قوت بشكل دائم العناصر السامية عند تلك الشعوب. وقد اجتاح الأكاديون السومريين، وتسلل الأموريون بين السومريون أكاديين فأسسوا مدينة بابل في بداية الألف الثاني. ومنذ القرن الحادي عشر، قبل عصرنا هذا، انتشر الآراميون على تخوم بلاد ما بين النهرين. ونظراً لعلاقاتهم بالشعوب الكادحة المقيمة عند أطراف الصحراء فقد عقد البدو شبكة من المبادلات، ومن أجل تلك الحركة التجارية الواسعة طوروا محطات القوافل ففتحوا باب الثروة أمام تدمر التي حاولت في تلك الحقبة السيطرة على الشرق الأوسط والوقوف في وجه روما.
أما العرب فإن التاريخ يذكر غزواتهم هنا وهناك قبل الفتح الإسلامي بزمن بعيد، وقد غنموا من مخلفات آلاف من السنين كانوا قد وجدوها في البلدان التي استوطنوها، ووصلهم جزء من تراث الحضارة البابلية التي نقلوا لنا مقوماتها في العصور الوسطى. وهكذا وبعد أن ازدهرت على امتداد الشرق الأوسط تخطت هذه الحضارة حدود موطنها، فقامت تبادلات عديدة منذ القديم بين الشرق والغرب، بحراً على أيدي الفينيقيين، وتجارياً مع السوريين إلا انه بفضل تدخل الإغريق الذين أتوا قديماً للتعلم في مدارس آسيا الصغرى التي بقيت مؤتمنة على "علوم" البابليين وصلت إلينا تلك المعارف التي استوعبوها. وضمن هذا المناخ تأتي الدراسة حول تاريخ بابل وهذا على ضوء دراسة الوثائق المبعثرة، المجتزئة التي تم الحصول عليها من الحفريات وذلك في محاولة لتفسير أصالة الحضارة البابلية. إقرأ المزيد