عاصفة على الشرق الأوسط الكبير
(0)    
المرتبة: 33,981
تاريخ النشر: 01/01/2020
الناشر: إتحاد الكتاب العرب
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:لم يقل "الربيع العربي" بعد كلمته الأخيرة، لكنه ملأ منذ وقت طويل زوايا المكتبات، يختار القارئ أمام المذكرات، والشهادات، والتحقيقات الصحفية، والمقالات، والتحليلات، التي تجهد في إعطاء هذا الإعصار الذي يجرف أفضل الأشياء وأسوأها، وجهة يفضل أن تكون أحادية.
هناك بعض الإستثناءات، لكن هذا الموقف المسبق الذي يقوم على إعادة ...توجيه حركة مرتبكة غامضة وغير متجانسة في الإتجاه المفترض للتاريخ، يمنع على الأرجح كل رؤية موضوعية، المختصون الغربيون في العلوم السياسية الذين كانوا، ولزمن قريب، يهزؤون من مجرد إستخدام مفهوم "العالم العربي"، باتوا اليوم يستعملونه في كل شاردة وواردة، ودون أن يرفّ لهم جفن، معتقدين أنهم بذلك يسمحون بولوج متاهة الأحداث التي تقوّض إستقرار مساحة شاسعة يعيش عليها مئات الملايين من البشر، وتمتد من المحيط الأطلسي إلى الشرق الأوسط.
هذا إن لم نتحدث عن أثرها في حياة مليار ونصف المليار من المؤمنين في العالم الإسلامي، بل اختار أكبر المعلقين والمحللين مقاربة إختزالية، يحاولون من خلالها أن يروا في هذه العاصفة – تحديداً وقبل أي شيء آخر – ثورة عفوية هدفها الإتيان، عبر نضال سلمي ضدّ مستبدين دمويين، بديموقراطية على النمط الغربي، قلّة هم اولئك الذين يرف لهم جفن ولو للحظة لرؤية الخلطة الغريبة التي تعدّ أمام أعيننا المندهشة، وتُسْتَخْدَمُ كوقود للمشروع المتفجر المدمر الذي لا يترددون بتسميته "الربيع العربي"، وهي تسمية اغتصبت لتطلق على موسم شؤم، ليس فيه من صفة العربي إلا اسمه، وإلا واجهة مبهمة من ألواح الورق المقوّى المصنوع من نفايات الكرتون والخرق البالية، يختبئ وراءها تعصب إسلامي من أسوأ الأنواع بتمويل لا ينضب من بعض الجهات، ودعم ظلامي النزعة بكل الوسائل وفي كل الإتجاهات، ونزعة عثمانية جديدة تطلق طموحها من عقاله، إضافة إلى عودة ربيع الإمبراطورية الأطلسية التي هاجمها التاريخ فجأة، تمتلكّها حنين ما بعد الإستعمار.
وهذا ليس إلا غيض من فيض مكونات الخلطة، تعطي "ديموقراطياتنا الكبيرة"، مشهداً هزيلاً وأبشع صورة ممكنة للغرب، إن الدول التي حاولت أن تستأثر لمصلحتها بقرار "المجتمع الدولي" وأدائه، تبذل جهوداً جبارة لتجميل نوايا الفاسدة بمسحة فضيلة، لكنها بالرغم من ذلك، أثبتت مرة أخرى، وبمناسبة فصول الربيع المأساوية هذه، الطبعة المصطنعة للقيم التي تدّعي التمسك بها.
وبالتالي، فإنه ليس من المستغرب أن نتفق إتفاقاً تاماً مع دول إسلامية متطرفة اختطفت جامعة الدول العربية في ظروف الأحداث، أو مع الأنظمة التي تلتحف بالإسلام وتتخذه عطاء لتتمكن أكثر فأكثر من أخذه رهينة.
إن وحدة المأساة العربية التي تدخل فيها عدة جهات، وحدة جنون الألف ليلة وليلة هذا منذ بدايته وحتى نهايته تكمن في إدعاء "المجتمع الدولي" الحق في أن يفرض بالقوة إعادة تشكيل قسرية للعالم العربي والعالم العربي - الإسلامي تتناسب ومخططات إمبراطورية في طريقها إلى الأفول، ومصالح رأس حربتها العبرانية المزروعة في أرض المشرق، وهي إعادة تشكيل تكتسب هيئة الإستعمار الحديد وتسلك مسالكه...
في آذار 2011، عندما برزت القوى الغربية بقوة - وفي مقدمتها فرنسا - كما النشّالين المتأهبين، للوقوف إلى جانب المتمردين في ليبيا، وتجاوزت في لحظة التفويض بالحماية الذي انتزعه إنتزاعاً من مجلس الأمن، لتحوّل الأمر إلى عملية تغيير للنظام، بدا خطابها الوقح طبيعياً في نظر ما أمكن حتى ذاك الحين، إعتباره "مجتمعاً دولياً"، لكن الأمور ساءت بعد أشهر قليلة، عندما نقد قادة "الديموقراطيات الكبيرة" وصانعو الرأي فيها برودة أعصابهم، وخرجوا تماماً عن طورهم أمام المقاومة العنيدة التي أظهرتها سورية في وجه العدوان السلفي - الجهادي الذي تسلحه تلك القوى وتدعمه: لم يعد هناك من مجال لإلباس خطاب مسعور مدفوع بجنون حانق ثوب الدبلوماسية، لا شيء أخطر من سيد مهيمن يمر بمرحلة زوال وأفول نجم... لا يعيش العالم فقط النزع الأخير لإمبراطورية أطلسية متعالية، واللحظات الأخيرة لقرن أمريكي عظيم لم يدم أكثر من عشرين عاماً كحدّ أقصى، بل يتعدى الأمر كذلك: إنها مرحلة إنحسار الغرب، بداية نهاية سيطرته التي دامت خمسة قرون.
وقد يكون من الوهم ان نأمل حدوث هذا التبدل بطريقة سليمة، إذا ما كان هذا سيقع في المدى المنظور لكن العالم العربي - الإسلامي الذي لعب دوراً مميزاً في كتابة تاريخ العالم القديم منذ فجر الإسلام، أي منذ أربعة عشر قرناً، وجد نفسه مجدداً في موقع اللاعب والرهان في آن معاً، وجد نفسه في قلب مواجهة بين إمبراطورية غربية يصعب عليها التخلي عن رسالة عالمية اخترعتها وأكلتها إلى نفسها، وبقية العالم الذي ينقسم بين من مجمل وجه ما بعد الشيوعية، وبين المنتمي إلى معسكر عدم الإنحياز.
لا شك أن دراسة "ثورات الربيع العربي" تندرج في سياق هذا التخطيط والتحول العالميين، بسبب الأزمات التي نتجت عن ذلك، أمكن لنا أن نسجّل قيام مرشحين لمراكز قيادية في نظام عالمي متعدد الأقطاب، بأفعال سياسية تتسم برمزية عالية.
وفي هذا السياق، تشكّل الأحداث، في مصر، وفي ليبيا، وفي سورية على الأخص، بمسبباتها ونتائجها، تحولاً جذرياً في مسيرة العالم...
ضمن هذه المقاربات وفي هذا الإطار الفكري تحديداً تأتي رؤية الكاتب ميشيل رامبو، فيما يتعلق بما أطلق عليه "ثورة الربيع العربي" وهو لا يدعي التنبؤ بمستقبل "الثورات" العربية، لكنه يقترح نموذجاً بالقراءة متنوعة للأحداث يأخذ بالحسبان الإشكاليات الداخلية والخارجية، والمقاربات السياسية والإجتماعية والدينية، يتناول نوايا اللاعبين على المستوى الوطني، والعربي، والإسلامي، والأهداف الإستراتيجية للقوى الخارجية، في الغرب والشرق، كما في أوروبا الشرقية التي عادت الأنظار تتجه إليها.
ويمكن تلخيص الأهداف على النحو الآتي: 1-تقديم شرح موجز ("الثورات"، وإعادة كتابة تاريخها الحقيقي على ضوء رصد أولي لنتائجها، 2-فك رموز أهداف القوى المتصارعة، واللاعبين الإقليمي، لكشف عن ما يختبئ خلف ظاهرة التحركات والمطالب من طموحات وإستراتيجيات خفية، 3-فضح أهداف ونوايا قادة ونخب الكتلة الإمبراطورية الآفلة، ونزع هالة القدسية التي أحاطوا أنفسهم بها، ليس فقط بتبيان التناقض المستمد بين فضيلة خطابهم ودناءة أفعالهم وحركاتهم، وإنما أيضاً، وعلى الأخص، بإيضاح الصلة الوثيقة بين الأحداث، كما تنبئ بها الوقائع القديمة والحديثة، والأهداف المعلنة لواضعي إستراتيجيات الإمبراطورية، 4-شرح وتأويل النزعة الإنسانية للرأي العام في مختلف دول القارتين الأوروبية والأميركية، تجاه هذا العالم العربي - الإسلامي الذي يرمز في نظر الغرب إلى بؤرة الأزمات، 5-إعادة وضع هذه الأحداث في إطار الخلل الكبير الذي يعاني منه التوازن العالمي، الذي ترتسم معالمه أمام أعين الجميع. إقرأ المزيد