تاريخ النشر: 01/09/2016
الناشر: مؤسسة الرسالة ناشرون
نبذة نيل وفرات:سبيلُ كتب المختارات التي يُراد منها غرس ملكة البيان في نفس المتأدب غير سبيل كتب العلم التي لا يراد منها غير حصول ما تشتمل عليه من قواعد العلوم ومسائلها في ذهن المتعلم.
ولن تستقر ملكة البيان في النفس حتى يقف المتأدب بطائفة من شريف القول منظومه ومنثوه وقوف المستثبت المستبصر ...الذي يرى المعنى بعيداً فيمشى إليه، أو نازحاً فيستدينه، أو محلَّقاً فيصعد إليه، أو متغلغلاً فيتمشى في أحشائه حتى يصيب لبّضه، ولا يزال يعالج ذلك علاجاً شديداً ينضح له جبينه وتنبهر له أنفاسه حتى تتكيف ملكته بالكيفية التي يريدها.
وما أرى هذه النكبة العامة التي أصابت الناشئين في ملكاتهم الكتابية، وما رُزئوا به من نضوب مادتهم اللغوية والنزوع إلى تلك المنازع الأعجمية في التصور والتخيل، إلا أثراً من آثار تلك المختارات التي يجمعها لهم الجامعون جمعاً محفوفاً بالحذر والإحتياط، بل بما هو فوق ذلك من الخوف والوسواس، فيستكثرون لهم من أبواب الحكم والأخلاق والمواعظ والزهد وأمثال ذلك مما لا يكاد يتراءى فيه قلب الشاعر، ولا تتجلى فيه نفس الكاتب، ويفرون الفرار كله من كل ما يتعلق بوصف جمال الطبيعة أو جمال الصناعة، أو تصوير عواطف النفوس ووجداناتها في الخير والشرِّ، والعرف والنكر، كأنما يحسبون أن كل بيتِ غزلٍ بيتُ ريبة، وكل وصف خمر حانةُ شراب، وما سمعنا من قبل ولا نحسب أن سيسمع السامعون من بعدُ أنَّ متأدباً أفسده ديوان غزل، أو أغراه بالشراب وصف خمر، لا بل إنما يرد ذلك على من يرد عليه منهم من فساد الخلطاء، أو ضلال المؤدِّبين. إقرأ المزيد