لغات الفردوس ؛ آريون وساميون: ثنائي العناية الإلهية
(0)    
المرتبة: 94,598
تاريخ النشر: 02/08/2016
الناشر: هيئة البحرين للثقافة والآثار
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:أين يقع الفردوس؟ في أي منطقة مباركة من العالم جعل الله جنة عدن يا ترى؟ بأي لغةٍ كان ينطق آدم وحواء في أثناء إقامتهما هناك؟ أوَ ينبغي التسليم مع القديس أوغسطين بأن الزوجين الاولين كانا عند فجر التاريخ، يتكلمان العبرية، أم يَحسُن بنا المضي مع لايبنتز (leibniz) في تقصيه ...لغةً أمعن في القِدم، هي لغة القارّة "الشيثية"، التي يُفترض أن تكون تفرعت منها ألسنة الشعوب المدعوة هندو - أوروبية، ما يجيز اعتبارها، في رأي بعض الباحثين، نموذجاً أصيلاً للكلام البشري؟
لغة الفردوس، إذاً، هي ما كان عليه التعبير اللغوي فجر نشوئه. إنّها نقطة انغراس النطق البشري في الكلام، بمفهومه الأكثر شمولاً ونقاءً، سواء أعنينا به كلام الله أم كلام العالم والطبيعة اللذين انتشلها الله من العدم بقوّة "كلمته الأزلية وكوّنها من شتات مبعثر.
ضمن هذه المقاربة يأتي هذا الكتاب "لغات الفردوس" والذي يطرح فيه موريس أولَنْدر، مسألة ارتباط الوعي القومي بفكرة العناية الإلهية في الوجدان الأوروبي، بكل ما تأذّى إليها وما نجم عنها من إشكاليات. ولا عزو؛ فكل بحث في الهوية هو بحث في الأصول، وإذا كانت لغة الشعب ذاكرته والشاهد الصريح على استمرار هويته؛ فإن الوعي القومي إذا ما تلبّس سرّ القدرة الفاصلة بين النور والظلمة، والكيان والخواء، سرعان ما يغري بتجاوز الجذور والبنى اللغوية إلى لحظة الخلق الأولية، التي كرّست تجذر الكلام البشري في الكلام الإلهي تمهيداً لإنشاء التمايز والتصنيف بين الشعوب والأعراق.
لقد كان لاهوتيو العصر الوسيط أول من أثار موضوع لغة الأصول الإنسانية، لكن طرحهم جاء من منطلق ديني بحت، ولم يكتسب بعده القومي المعقّد إلّا في أوروبا مع إطلالة القرن الثامن عشر، الذي حفل بتيارات فكرية وسياسية حاسمة. ومع بروز أولى بوادر الوعي القومي انطلقت الشعوب الأوروبية تبحث عن مقوماتها الكيانية؛ وأولها اللغة، باعتبارها المستودع الحافظ خبرات الشعوب الحيّة، ما أدى إلى ازدهار الأبحاث الفيلولوجية، حيث مال إلى التركيز على فكر ريشارد سيمون الذي وثّق الصلة بين تفسير الكنيسة والزامية الوحي الإلهي، مؤكّداً أن العناية الإلهية تفعل في التاريخ فعلها في النصوص الكتابية، وإن الكنيسة هي الضامن الوحيد للعقيدة، ثم تلاه روبرت لوث الذي وفّق، من جهته، بين إعجاب المسيحيين بالعهد القديم وعلوم اللغة العبرية، لافتاً إلى أن الله يبارك جهود الباحثين في الكتابات المقدّسة. وبعد جولة سريعة تناول فيها، بإيجاز، أبرز المدارس الفكرية التي أفرجت عنها الحركة الهندو-أوروبية، تحوّل إلى تحليل نظريات كل من هردر، ورينان، وماكس موللر، وغولد زيهر، وغراد، باعتبار أنها تشكل بمحطات مميزة في مراحل النزاع الهندو-أوروبي، قبل أن يختتم معلّقاً على مسرحية موسيقية لفاغنر الذي أُثرت عنه نزعة العداء للسامية.
وأخيراُ، فإنّ قارئ هذا الكتاب، يتبين وبوضوح لايدانيه وضوح؛ أن الأسباب الداعية إلى تأليفه لا تخرج عن إطار الجهد الإنساني الرامي إلى تقديم المعرفة وتوظيفها في هذا القطاع الواقعي تحديداً. لكن، إذا كانت أصول العقلانية العلمية تتبلور في سياق العمل على تحديد موضوع كل علم وطرائق بحثه النوعية، هنا لا يسع الباحث إلّا الإقرار بأنّ الكشف في مجال العلوم الإنسانية لا يفترض أرضاً عذراء؛ بل قارات رسم خريطتها التقليد، واجتازها الفكر الديني، محدّداً المسالك الموصلة إليها بكل ما تفرضه من مسارات. أضف إلى ذلك أن الباحث، وعند افتتاحه أيّاً من مجالات المعرفة، لا مندوحة له من طرح مسائل تكاد تكون صدى للتساؤلات الكبرى التي تهزّ الجسم الاجتماعي بكامله، كتلك التي تتعلق بهويته وجذوره الماضية ومسؤولياته الحاضرة، وتطلعاته المستقبلية. إقرأ المزيد