تاريخ النشر: 01/01/2015
الناشر: دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:ليس هناك من معلومات عن أسلاف المتنبى لأبيه من معلومات تصعد إلى أبعد من أبيه الحسين الذي كان يلقب بالجعُفي، وهو لقب شاع في الكوفة بين المحدّثين السنّيين او الشيعة كان الحسين فقير الحال، ولم يرزق من زوجه إلا ولداً واحداً حولي سنة 303هـ، فأسماه أبوه أحمد ولقبه بأبي ...الطيب، وكان هذا اللقب شائعاً يومئذ بين الناس، ثم ألحق باسمه نسبة الجعفي إشارة إلى أصلة، كانت السنون الاولى من حياة أبي الطيب على الأرجح سنيّ طفل فقير ينعم بدلال ترف المحرومين الممثل في اللعب والعبث، كل يوم في الأزقة مع لداته، واحتفظ أبو الطيب من جولاته في مختلف أحياء المدينة بذكريات ممزوجة بالحزن والبهجة، تلك الذكريات التي تعلق بحوادث الصبا، قال أبو الطيب فيما بعد، مستحضراً حلاوة تلك الساعات الخالية من هموم العيش: "درَّ درُّ الصباءَ أيام تجر... يد ذيولي بدارِ أثلةَ عودي"...
وأخذ أبو الطيب، في وقت مبكر، يتميز عن رفاقه ذكاءً ورصانة ورصانة ومملاً للدرس، فاختلف، بالرغم من حال أهله المتواضعة إلى كتّاب فيه أولاد إشراف الكوفة.
تعلم أبو الطيب في المدرسة القراءة والكتابة، ومن المحتمل أنه قرأ القرآن الكريم كغيره من المسلمين كافة الذي كان له تأثيره في تكوينه الفكري والخلقي وكان إهتمامه موجهاً، على الأرجح، في وقت مبكر نحو الأدب والعلوم الدنيوية.
كانت الكوفة لا تزال يومئذ مركز ثقافة نشيطة جداً، وقد استمع أبو الطيب إلى علماء كبار، تلاميذ أعلام الماضين أمثال الحسن بن داود النفّار، والقاضي أحمد بن كامل، كما أن أبا الطيب أفاد من جميع الفرص السانحة للتعلم، وثمة نوادر تظهره مكثراً من ملازمة دكاكين الوراقين، وكانت يومئذ بمثابة قاعات مطالعة يتلافى فيها المثقفون، وتبرز صورة أبي الطيب، في تلك الدكاكين، مستمعاً في تلك الندوات التي تقام فيها، لما يقال حوله، أو مستغرقاً في قراءة كتاب النحو واللغة والتاريخ التي يعجز، بسبب فقره، عن إقتنائها.
وكان من الممكن ألا تثمر تلك الدروس علماً ومعرفة لو لم يرزق أبو الطيب ذاكرة قوية جداً، وقد أثبت في سنّ مبكرة أنه أكثر من عالم، فقد ظهرت موهبة الشعر عنده قبل الآوان، وكان يومئذ في العاشرة من عمره تقريباً، وبعد أن بلغ مبلغ الشباب، كانت آثار الشعراء الجاهليين والأمويين أساس مطالبات أبي الطيب، وكان هؤلاء الشعراء بالنسبة إليه المادة الأساسية الراجحة، واتجهت ميوله غريزياً إلى أكبر مداحَيْن عرفهما العصر السابق: أبي تمام وتلميذه البحتري يقرأ ويعيد طوال حياته قراءة شعرها متمثّلاً به.
وظل أبو الطيب بادئ بدء، تحت سلطان نفوذهما كليّاً، ذلك النفوذ الذي لم يستطع الإفلات منه [...] يتابع المؤلف تجربة المتنبي ورحلته الشعرية من خلال هذه الدراسة التي وكما أشار أن المقصود منها ليس تقدير المتنبي في حدّ ذاته، ولا دراسة ديوانه بطريقة موضوعية، مع حرصه الدائب على التجرد بقدر الإستطاعة من العادات الغربية، في هذا السياق، بل هو عمد جاهداً على تقييم أثر أبي الطيب المتنبي الشرجي من وجهة نظره الأوروبية، كي يضعه في مكانه ضمن مجموع الشعر العربي، ثم الإشارة إلى خصائصه المميزة، وما هو في نظره ذو أهمية خاصة.
وعليه، يمكن القول بأن هذه الدراسة إنما تمثل دراسة موضوعية للمستشرق الفرنسي بلاشير عن شاعر العروبة الأكبر أبي الطيب المتنبي وهي أولى الدراسات القيمة الأساسية التي ألفها أجنبي أحب لغة العرب وتذوق أدبهم، والتي أفادتها أكثر من واحد من المؤلفين العرب المعاصرين.
ولهذا البحث نوايا: تقيّد المؤلف بالمنهج التاريخي الدقيق، وإنطلاقه من مبدأ وجوب توافق في تسلسل الأحداث التاريخية مع سيرة الشاعر وتفاعلهما الحتمي للوصول إلى الحقيقة، وهذا ما لم يعطى له جميع من درسوا المتنبي من الشرقيين، ثانياً: طرح قضايا عديدة ذات علاقة بالجوانب الغامضة في أصل المتنبي وحياته وسلوكه وعقيدته ومحاولة جلائها وتوضيحها والوصول إلى نتائج ما سبقه، وقد تم ذلك بعقلية الرجل الأوروبي ومنهج البحث العلمي الحديث، ثالثاً: موقف المؤلف المتشدّد ومن الأساليب الدراسية والتأليفية التي اتبعها المؤلفون العرب في الكتابة عن شاعرهم العظيم، رابعاً: مواقف نقدية للمؤلف تجاه سلوك المتنبي وشره وتناقضاته، متبعاً بذلك منهج النقد الموضوعي والأدب المقارن.
وأخيراً، فإن هذه الدراسة القيمة ولا ريب، تعدّ إسهاماً من وجهة نظر الغربيين في الكشف عن شخصية المتنبي وتفسير عبقريته وأسباب خلود شعره على مرّ العصور والأزمان. إقرأ المزيد