نشوء وأفول ؛ نظم العصبية المعاصرة في العالم العربي وفق المنظور الخلدوني
تاريخ النشر: 10/02/2015
الناشر: دار روافد للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:تعتبر مقدمة ابن خلدون قفزة في أسلوب كتابة التاريخ، فكان ابن خلدون بحق أول من جعل التاريخ علماً قائماً بذاته مستقلاً عن العلوم الأخرى، فهو "مستحدث الصنعة" على حدّ قوله، وميزه عن علوم الحديث والخطابة والسيرة وما درج عليه المؤرخون العرب والمسلمين من نقل الأخبار على علامتها دون تمحيص ...أو تحكيم للعقل... وأطلق على تلك الصنعة المستحدثة "علم العمران البشري والإجتماع الإنساني".
ومع ذلك، لم تخلُ بعض الدراسات والبحوث من تجني يصل حد الإسعاف وأخرى بنقد موضوعي متزن، وربما كان ذلك كله يعود إلى عدم الإحاطة بطبيعة العصر الذي عاشه وطبيعة المجتمع العربي الذي تترسخ فيه قيم البداوة والعصبية حتى اليوم، وهذا ما سبب، لا سيما للأجانب من الباحثين وبعض المتأثرين بهم من العرب، صعوبة فهم طروحات ابن خلدون وتشخيصاته وتحليلاته الصائبة.
ويمكن القول بأن العلاّمة ابن خلدون هو رجل شغل الدنيا ودوّخ العالم، فقد عالج مشكلات المجتمعات البدوية والقروية، التي هي ليست مجتمعات عصره حسب، وإنما هي بالدرجة الأولى طبيعة المجتمع العربي منذ قبل الإسلام حتى اليوم... وإن اختلفت في شدّتها بين مكان وآخر... كما أنها خاصة بالمجتمعات البدوية في كل زمان ومكان... ولا يفهم عمق أفكار وتحليلات ذلك الفيلسوف النادر إلا من عاش أو يعيش في مجتمعات كالمجتمع الذي عاشه وعاشته المنطقة من محيطها إلى خليجها وأبعد...، والتي لا زالت الكثير من مناطقها تئن من وطئة نظم الأقليات العصبية المدمرة.
من هنا، تأتي أهمية هذا البحث التي تناول فيه الباحث مقدمة ابن خلدون من خلال دراسة تحليلية موضوعية، استهل الباحث دراسته بتمهيد تضمن تعريفاً مأخوذاً عن المقدمة بغية إعطاء القارئ نبذة عن ابن خلدون وكتابه ومقدمته التي تشكل بعض فصولها أساس هذا البحث، وهي على الخصوص ما تناولت العصبية ودورها في قيام الدول وزوالها وعلم العمران بالجملة بالإعتماد في ذلك على شروحات د. محمد عابد الجابري من كتابه "العصبية والدولة - معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي"، بالإضافة إلى مواضيع وتطبيقات للباحث وردت في البحث.
ومن ثم تم تنظيم البحث بفصل تضمن التعريف اللغوي لكلمة العصبية، التي لم يتطرق إليها ابن خلدون لأن معناها كان معروفاً في زمانه، من الكتاب بينهما وكأنهما أمراً واحداً... وليتناول، وبالتفصيل، صفات العصبية على ضوء ما ورد في المقدمة وما أوضحه الجابري بشروحاته وبتحديده لمصطلح العصبية.
وليضيف الباحث تحديداً آخر على ضوء مقولة ابن خلدون من أن العصبية "غايتها الملك" في ظروف معينة، حيث لا تتم هذه الغاية لأية عصبية كانت، ومن ثم لتوسيع في دراسة الظاهرة الأموية "كنموذج" لعصبية توفرت لها القدرات للسيطرة وبناء الملك، مناقشاً وأثناء البحث بعض الآراء التي رأى فيها إبتعاداً عن المواد الخلدوني.
ولما كان هدف الباحث دراسة نظم العصبية المعاصرة في العالم العربي، فقد توسع في بحث هذه الظاهرة مع التركيز على نظام العصبية في العراق 1968- 2003، ومن ثم إجراء مقارنة بين ما ورد في المقدمة وشروحات الجابري؛ وبين سلوك تلك النظم وبيان أوجه التطابق الذي هو لصيق بالطبع العصبي في كل زمان ومكان...؛ ليعرج من ثم على بيان علاقة البدو والعصبية القبلية بالوطن والوطنية وما وقع فيه بعض الكتاب من أخطاء بهذا الشأن بإعتبار العصبية وطنية، في الوقت الذي هي فيه العصبية مفرقة لا جامعة، وذلك ما بينه الباحث بالتفصيل، باحثاً من ثم في موقف العصبية، كسلطة مسيطرة، من تنظيمات المدينة وأعرافها وقيمها وكيفية تعاملها معاً...
بناء على ذلك كله يمكن القول أن البحث تضمن ثمانية فصول جاءت مواضيعها على التوالي: 1-العصبية والتوجهات العصبية، 2-الصفات العامة للعصبية ونشوء نظم (العصبيات المعاصرة، العصبية الأموية القرشية، العصبية ظاهرة بدوية...)، 3-حروب العصبيات، 4-الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك (نظرية الجاه الذي يفيد المال، ما يترتب على الجاه المفيد للمال، ممارسة سلطة العصبية في العراق للجاه الذي يفيد المال، 5-سلطة العصبية في العراق (الرئاسة في العصبية*، 6-العصبيات وتنظيمات المدنية (الأحزاب العمل النقابي، القانون في التاريخ)، 7-الخلافة والعصبية، 8-مآل السلطة. إقرأ المزيد