الحجاج في الخطاب السياسي المعاصر
(0)    
المرتبة: 160,815
تاريخ النشر: 01/01/2014
الناشر: عالم الكتب الحديث
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:اهتم الفلاسفة والدارسون منذ أمد بعيد بالخطاب السياسي لما له من حضور قوي في حياة المجتمعات الإنسانية وصيرورتها وتطورها على مر العصور؛ إذ ظلّ مرتبطاً بمستويات ومصادر متنوعة ومتناقضة داخل تلك المجتمعات بحكم تناقض المصالح الاقتصادية والاجتماعية والرمزية التي تمثلها. كما ارتبط الخطاب السياسي بالنخب وما يميزها من فاعلية ...وتأثير، وبالأفكار والأنساق الإيديولوجية، وبالجمهور ومستويات تفاعله واستجابته. وهكذا.. فبين الطرفين (النخبة والجمهور) تنتقل الأفكار والتصورات التي يكثر تداولها في سوق السياسة التي هي سوق الخطابة والحجاج في الوقت ذاته. إنّها السوق التي يتعاقب فيها المتكلمون على منابر التواصل السياسي لدفع الجمهور نحو قبول بعض تلك التصورات حيناً ورفض بعضها حيناً آخر.
ضمن هذا المسار الطويل المتجدد في المجتمعات البشرية لجأ الطرفان معاً إلى استعمال اللغة بوصفها نظاماً حجاجياً، أي نظاماً فعّالاً قادراً على إحداث التوجيه المطلوب والتأثير المرغوب وبالتالي صرف الأذهان من زاوية نظر إلى أخرى ومن رأي إلى آخر. وإلى هذا فقد ظلّ مسار الحجاج يشهد مدّاً وجزراً من فترة إلى أخرى ومن حيّز ثقافي إلى آخر بفعل كثير من العوامل الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية وغيرها؛ وإن كان من الملاحظ وجود تلازم واضح في تاريخ الحضارات الإنسانية بين توفّر الشرط الديموقراطي والاهتمام المتزايد بالحجاج، إذ كلما تزايد الطلب على القيم الديموقراطية والقانونية في مجتمع ما؛ تصاعد أيضاً الانشغال العلمي بالحجاج ووسائله وآلياته.
بناءً على هذا المعطى الأخير؛ تجدّد الاهتمام منذ الصف الثاني في القرن العشرين بمجال الحجاج ومقوماته، لما يُسمح به من كشف فعالية الخطاب ضمن وضعيات التواصل السياسي والإعلامي المتعددة، ولقد صاحب ذلك الاهتمام تجدد البحث في النظريات الحجاجية ومعايير صلاحيتها وقيمتها وكنايتها في وصف وتفسير الوقائع والظواهر: ترافق مع الاهتمام بالحجاج ونظرياته اهتمام من نوع آخر ومن زاوية أخرى، تجلّى في العكوف على تحليل الخطاب وفق تصورات نظرية ومقاربات منهجية متنوعة استثنت الاشتغال الحجاجي للخطاب وركّز على جوانب أخرى مثل الإيديولوجيا والسياق والمقام والقضايا.
من هنا انطلق مسار تفكير الباحث في إشكالية دراسته هذه، وجوانبها الكثيرة وفق رؤية تبتعد من زوايا معينة عما انشغل به آخرون في دراسة وتحليل الخطاب عامة والطاب السياسي خاصة. معتمداً نظرية الحجاج اللغوي التي أسسها اللساني الفرنسي أزفالد ديكرو وجان كلود انسكومبر لتكون إطاراً نظرياً جامعاً وأساساً موجهاً لاشتغاله المنهجي على معطيات ومقومات الخطاب السياسي المغربي.
فتحت هذه النظرية الحجاجية أمام الباحث آفاقاً واسعة لمعرفة الخصائص الجوهرية الكامنة في اللغات الطبيعية التي يحتاج إليها المتكلمون في وضعيات التواصل والتخاطب لأجل بلوغ مراميهم وأغراضهم المختلفة، كما فتحت أمامه آفاق اكتشاف ودراية ما يُميز الخطاب السياسي على وجه الخصوص عن غيره من أنواع الخطاب الأخرى من استعمال ذكي وفعّال للخصائص الكامنة في اللغة.
في هذا المنعطف من مسار بحثه هذا وجد الباحث أن من الملائم مواجهة عناصر الإشكالية المرتبطة بدراسة الخطاب الذي يعدّ عنصراً مهمّاً في تدبير المجال السياسي المغربي، ليس لكون هذا الأخير يتّسم بالشرط الديموقراطي الذي يقضي بأن لكل مواطن الحق في صياغة طابه الخاص بشأن السياسات العمومية؛ وإنما لكون الخطاب ذاته قادراً على تخزين مسارات الحجاج وخططه التي يتبناها المتكلم سواء على أساس القصد أو بهدف المغالطة. وهكذا فقد كان مسار الباحث المنهجي الذي توسل به لمقاربة الإشكالية وتفكيك عناصرها ودراسة مراحلها كالتالي: الانطلاق في مستهلّ الدراسة من تحديد الدلالات اللغوية والاصطلاحية وذلك لبيان ما ميز المفهومين من خصائص التعدد والاختلاف والتنوع. 2- شكل مفهوم الحجاج أساساً لأطروحة الباحث بشأن الخطاب السياسي، وهو ما فرض منهجياً الإهتمام بعرض ودراسة ما صيغ من النظريات الحجاجية في مجالات مختلفة؛ منها مجال الفلسفة ومجال البلاغة ومجال اللسانيات ومجال المنطق الطبيعي، مع تحديد وسائل كل مقاربة نظرية حجاجية على سبيل الاختصار. 3- الاجتهاد في تقريب منطلقات الحجاج اللغوي والتعريف بأهم مفاهيمه من خلال الاتصال المباشر بالمؤلفات اللسانية المرجعية لرواده الذين من أبرزهم الباحث الفرنسي أزفالد ديكرو. 4- التعريف بالمرجعية اللسانية التي نهل منها الدارسون للخطابات والنصوص تنظيراً وتطبيقاً، والانتقال من ثم إلى تقديم التحليل الحجاجي للخطاب وما اعتمد عليه من المرجعيات والأسس البلاغية والمنطقية والتداولية. 5- التعريف بالنماذج التطبيقية التي اختارت اعتماد الحجاج إطاراً نظرياً لمقاربة أنواع من النصوص والخطابات، وتقديم نموذجين تحليليين لكل من الباحث التونسي عبدالله صولة والباحث المغربي أبي بكر العزاوي. 6- الاتجاه بعد ذلك إلى اختيار متون سياسية من الخطاب السياسي المغربي المعاصر على أساس مراعاة التنوع سواء تعلّق الأمر بالمضامين المعبر عنها أو أشكال الخطاب، فكان الاختيار لخطابات صادرة عن قادة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية. 7- اتجاه الباحث من مقاربته في تحليل المتون المشار إليها إلى اعتماد محورين اثنين هما: محور الخطاطة الحجاجية التي اجتهد عبد الواحد الراضي في إعدادها لخطاب إعلان الفوز أثناء الجلسة الختامية للمؤتمر الثامن، ومحور الاستراتيجية الحجاجية التي وظفها سعدا لدين العثماني في محاورته مع صحيفة التجديد. إقرأ المزيد