تاريخ النشر: 02/08/2012
الناشر: منشورات الجمل، دار آراس للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:ولد بنفنوتو جلليني في العام 1500، ودوّن مذكراته على فترات متقطعة خلال ثماني سنوات (1558- 1566) وكان في الحادية والسبعين عندما أدركته الوفاة، ولم تطبع مذكراته هذه إلا في العام 1728، إلا أن شهرتها استطارت خارج إيطاليا في بداية القرن التاسع عشر عصر الأدب الرومانسي.
وما لبثت بعض عقود من ...هذا القرن، حتى احتلت مكانتها الجديرة بها وعدّها رجال الأدب والنقاد أشهر مذكرات شخصية في عالم الأدب، وأعظمها إشارة وأصدقها خبراً.
تشيع في المذكرات روح الأنانية وحب الذات والتحدّي، إلا أنها تعطي القارئ أدق ما وصل اليد من تفاصيل وأقربها إلى القناعة وصفاً لأخلاق وتصرفات حكام القرن السادس عشر في أوروبا - ملوكاً وباباوات وأمراء - وكذلك لحياة وعادات الرجل العادي وتصرفاته.
في ذاك المجتمع وجد جلليني أعداء له وأصدقاء من كل طبقة، فهو يأخذ القارئ ويتعاقب سريع أخاذ عبر صفحات مذكراته ليلتقي بأصحاب الحانات والفنادق والتجار والعسكريين والساسة والموسيقيين والصناع ورجال الأدب والفن والأمراء والملوك والكرادلة وأحبار الكنيسة العظام.
وفي هذا العالم الصاخب تجد (جلليني) سيد المكان وبطل الحلبة الوحيد، يطاعن بالسيف أو يرمي بالبندقية بالحذق والبراعة التي تعالج يده أدق التقاسيم في القطع الفنية الرائعة التي أبدعها والتي خلدته على مرّ الأجيال؛ بينما تجد كل هؤلاء الخلق الذين تعامل معهم دائماً في الخلفية أو على الهامش إزاء شخصه.
ومع هذا، فبإمكان القارئ أن يتفهم شخصية جلليني وقصص مغامراته المثيرة وتقويمها دونما حاجة إلى كثير من المعرفة بأحوال مجتمعات القرن السادس عشر، فسيرته هذه وثيقة تاريخية باهرة الضياء، تلقي نوراً كاشفاً على أوضاع إجتماعية عديدة، كأحوال السجون في روما وتصرفات المبعدين السياسيين الفلورنسيين، والإستراتيجية المتبعة في حروب ذلك العهد وعلاقات الملك فرانسوا الأول بعشيقته (مدام ديشامب)، وأصول المرافعات في المحاكم الفرنسية، وأساليب الأطباء الإستغراقية والمعالجة، إلخ...
والملفت في هذه المذكرات تماشي جلليني الحديث في السياسة أو زجّ نفسه في عبابها، ففنّه لا شأن له بها؛ رغم أن قلمه كثيراً ما كان يشنطّ به ويفلت منه زمامه بالتعليقات الذكية البارعة التي يرغم عليها أحياناً - كحادث مقتل الدوق (اليساندور مديتشي) بغض النظر عن ولائه لتلك الأسرة الحاكمة؛ فالخوض في السياسة كان سيلجئه إلى الحيرة عن موضوعه الأساس وهو كتابة قصة حياته، وليست قصة الزمان الذي عاش فيه.
قضي جلليني السنوات التسع العشر الأولى والسنوات الست والعشرين الأخيرة من حياته في فلورنسا، وفي العام 1915 شد الرحال إلى روما واستقر فيها بإستثناء زيارات متباعدة لفلورنسا وفترة رحلته الخائبة إلى فرنسا خدم خلالها البابا كليونت السابع ثم البابا بولس الثالث ما بين (1523- 1540) وشهدت له مذكراته على تعلقه الشديد بموطنه.
وفي روما كان الفلورنسيون أقرب أصدقائه وأعزهم وبقي على صلة وثيقة بالمغتربين منهم من كلّ من باريس وروما، واجتذبته فلورنسا أخيراً إليها قبل نهاية حياته بزمن طويل فعاد إليها.
وأخيراً يمكن القول بأن جلليني مدين بخلوده إلى هذه المذكرات أكثر بكثير مما تركه من آثار فنية، وقد نقلت على هذه المذكرات صروف الدهر كادت تذهب بها، إلا أن هذه المخطوطة ظلت في حوزه آل كافا لكانتي حريصة عليها طوال القرن السابع عشر ثم انتقلت إلى المكتبة اللورنتية الجديدة، وظهرت لها في العام 1771 ترجمة إنكليزية ثم إلى الألمانية والفرنسية والعربية في هذه الطبعة الأولى من العام 2012. إقرأ المزيد