اتجاهات النخب السعودية نحو التحديث السياسي في المملكة العربية السعودية (2001 - 2011)
(0)    
المرتبة: 21,332
تاريخ النشر: 06/03/2012
الناشر: مؤسسة الإنتشار العربي
نبذة نيل وفرات:مرحين من الدهر كان المتدينون التقليديون يتولون فيه زمام السيطرة على مقاليد الثقفة المجتمعية في المملكة العربية السعودية ترافق ذلك مع بساطة المجتمعات المحلية، وتواضع احتياجاتها المعيشية في منطقة لطالما عرفت (1) العيش، وقلّة الحيلة، لم يكن لذلك الوضع ما قبل الحداثي أن يستمر قفد أدى تدفق النفط بغزارة ...إلى دخول المجتمع السعودي في دورة الاقتصاد والعالمي الحديث وإلى تعرف أعداد متزايدة من السعوديين على العالم الفسيح من حولهم.
فتدريجياً، وجدت سلع وخدمات حديثة طريقها إلى قراهم وبلداتهم، مما فتح أعينهم على مقدار تحلفهم فيما سبق. لقد دشنت الطفرة النفطية منذ منتصف سبعينات القرن المنصرم، دخول المجتمع السعودي العصر الحديث، تعرفت أجيال عديدة من السعوديين على حضارة الغرب في مواطنها، ومن هم في عقر دارهم، وكما هو متوقع، كان الاقتصاد هو الميدان الأبرز الذي تركت يد التحديث فيه بصمتها التي لا تخفى.
فبالتوازي مع مكانة المملكة كأكبر مصدر للنفط في العالم، رعت مؤسسات الدولة تشييد وتطوير نظام اقتصادي مختلط يقدم على التخطيط المركزي الذي يتولاه قطاع عام، ويشرف عليه قطاع خاص رأسمالي يمارس قدراً واسعاً في الحرية الاقتصادية مالياً واستثمارياً وتسوقياً. ومنذ بداية الستينات من القرن العشرين، قادت الدولة وأشرفت على عملية نمو اقتصادي واسع النطاق طال مناهي الحياة كافة تقريباً، وضم في جنباته الأغلبية الساحقة في المواطنين السعوديين.
نتيجة لذلك، شهد المجتمع السعودي المعاصر تغييرات اجتماعية اقتصادية جوهرية في بنائه الطبقي، تحولت بموجبه المجتماعات المحلية شبه المعزولة في مرحلة ما قبل النفط إلى مجتمع وطني ذي بنية طبقية ظاهر، ويشترك جلّ أعضائه في هموم معيشية مجتمعية. من هنا كان لا بد للتحولات الجذرية في البنية الاجتماعية السعودية ذاتها أن تجعل قضايا التطوير الثقافي السياسي أكثر إلحاحاً. فقد ترافق مع التغيرات الاجتماعية الاقتصادية الهائلة، ارتفاع الوعي السياسي العام نتيجة لتصاعد أرقام مخرجات مؤسسات التعليم العالم والعالي بمعدلات غير مسبوقة، وتزايدت أعداد المثقفين والمتعليمن في مختلف التخصصات إلى مستويات عالية.
كما كان لانتشار استخدام شبكة الانترنت والقنوات التلفزيونية الفضائية أثاراً اجتماعية هائلة، وخصوصاً في الشرائح الشبابية، فقد تصاعدت توقعات ومطالب شرائح اجتماعية شبابية جديدة دخلت، او هي متحفزة لدخول سوق العمل، باجراء تغييرات اقتاصدية وثقافية وسياسية واسعة تتوازى مع عمق الأزمات الاقتصادية الحياتية التي تمسك بخناق المجتمع، فقد استكان السعوديون لفترة غير قصيرة لصيغة توفيقية "توائم" بين تراثها وقيمها من جهة، ومتطلبات الانخراط الايجابي من العصر الحديث من جهة أخرى، ظناً منهم أن تلك الصيغة التوفيقية تقدم حلاً سهلاً لقضية التقدم ومعضلات (2)، لكن بمرور الوقت، غدا واضحاً أن تلك الصيغة تتداعى أمام أعينهم، بل أورثتهم، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم الوطني، معضلات اقتصادية واجتماعية عويصة.
وفي غمرة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة من جهة، وارتفاع الوعي العام وتزايد مطالب شرائح اجتماعية حديثة بمزيد من الحقوق والخدمات الأساسية من جهة أخرى، بات جلياً أن ما كان يسع السعوديين سابقاً أصبح من الماضي الذي ذهب إلى غير رجعة، ومن ناحية أخرى، تتوالى مؤشرات كثيرة (وطنياً وإقليمياً ودولياً) لتدفع نحو ضرورة اصلاح النظام السياسي السعودي في اتجاه حديث، عمادة انفتاح ثقافي واجتماعي يتواكب مع اصلاح المؤسسات السياسية، مع استلهام واعِ للقيم الدينية والاجتماعية السامية.
من هنا تأتي أهمية الدراسة التي تستعرف اتجاهات ورؤى النخب الثقافية والفكرية والسعودية نحو التحديث السياسي في المملكة العربية السعودية، خلال العقد الأخير، فقد شدت عدة أحداث عالمية وإقليمية محلية مثيرة (دونها على سبيل المثال، حرب الخليج الثانية 1990 – 1991) وهجمات سبتمبر (2001) وما شهدته المملكة من نشاطات لخلايا إرهابية خلال العقدين آزر مثقفين سعوديين نابهين لنقد كثير من المظاهر السلبية للفكر الديني والحياة الاجتماعية والسياسية، في المملكة، والتي عدوّها مسؤولة عن كثير من العطب الذي يشد المجتمع السعودي إلى الوراء. فالنقد الأدبي والديني عندنا من أساسيات لمعركة الحداثة، هذا وقد عرضت هذه الدراسة تبانياً غير يسير في الأنساق المعرفية، وبالتالي في الرؤى السياسية للنخب السعودية.
وصنفت بصورة منهجية النخب السعودية إلى ثلاثة تصنيفات أساسية (دينية تقليدية، وإسلامية حركية وحداثية)، ومن ثم العديد من التصنيفات الفرعية، وقد رجّعت الدراسة، بأسلوب منهجي، تطور وتكيف الخطابات السياسية للنخب السعودية تجاوباً مع التغيرات الكثيفة في البنيات الوطنية والاقليمية والدولة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، علاوة على ذلك، تضمنت الدراسة محاولة أولية لرسم خريطة سياسية للرأي العام السعودي من أجل المساهمة في دراسات مستقبلية لاستشراف المستقبل السياسي للمملكة. إقرأ المزيد