المقاصد الكلية في ضوء القراءة المنظومية للقرآن الكريم
(0)    
المرتبة: 202,406
تاريخ النشر: 18/10/2011
الناشر: دار الحوار للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:إن علم المقاصد الذي وضعت لبناته الأولى في نهاية القرن الخامس الهجري؛ لم يول الأهمية التي يستحق، وبقي معزولاً عن مجرى الحياة السياسية والفقهية، لأن قوة دفع الأحداث، في تلك الأثناء، حال دون رسوخ هذا العلم كمنهج في التفكير، فبقي محصوراً في عقول بعض العلماء والفقهاء ولم يعط فرصة ...التأثير في العقل الإجتهادي، الذي بقي مستغرقاً بالمسائل الجزئية على النحو الذي هو عليه اليوم.
لا بل يمكن القول أن هذا العقل الإجتهادي الضيق هو الذي رسم حدود الوعي المنفصل بالجزئيات، والذي تستهديه العصبيات، وما المؤلف هو بصدده في بحثه هذا، ليس مجرد إعادة نبش الترسيمة المقاصدية التي انتهى إليها الشاطبي في نهاية القرن الثامن الهجري؛ وإنما تجديد النظر فيها وتفعيلها بعد أن فضحت التجربة التاريخية الكثير من وجوه القصور فيها.
ويضيف المؤلف بأن المنهج قد يكون أهم ما ينبغي النظر فيه؛ ذلك أن إستقراء الأحكام الفقهية، الذي اعتمده الشاطبي، لا يفضي إلى مقاصد فاعلة وقادرة على إستيعاب المستجد من الحوادث والوقائع، لأن الإستقراء لا يعطي أكثر مما تتيحه الأجزاء، والأخيرة كانت تعادل مجمل ما رآه الفقهاء من زمانهم، وهي عاجزة عن الإحاطة بزماننا؛ كما أن إعتماد الفقه بنفسه كأساس في المنهج الإستقرائي لا يسمح بإدراك كل القيم العامة المنصوص عليها في القرآن الكريم، خلافاً لمنهج الإستنباط المستند، أساساً، على القرآن الكريم.
والمعلوم أن مناهج قراءة النص القرآني، والمعلوم أن مناهج قراءة النص القرآني شهدت تطوراً كبيراً في عصرنا الحاضر، الأمر الذي يفتح الأبواب على فهمٍ جديد ورؤية أكثر إتساعاً وإشراقاً مما كان عليه الأمر في القرون الماضية، فبعد المنهج التجزيئي الذي دأب المفسرون على إعتماده في القرون الماضية، نحت العلماء والمفسرون منهجاً جديداً، يعتبره المؤلف أكثر خصوبة، هو المنهج الموضوعي، ثم تجاوز جيل آخر المنهج الجديد إلى ما يعرف بــ"النبوية" التي تحاول فهم الآيات القرآنية المبثوثة في السور المختلفة في إطار بنية تشريعية وقيمية واحدة، وكدلالة على خصوبة البحث وحيوية التجاوز تمّ منهج جديد يقوم على إعتبار القرآن الكريم وحدة منظومية تتناسخ خيوطها في إطار شبكة عنكبوتية بالغة الترابط والتفاعل، ليس بين عناصرها فحسب؛ وإنما مع الطبيعة والكون.
والقرآن الكريم في إطار منظومته القيمية لا يتناول الإنسان كعضو فاعل في إجتماع واسع ورحب فحسب، وإنما يضعه في علاقة تفاعليه مع الطبيعة، إنطلاقاً من وحدة الفاطر، الذي هو الله عزّ وجلّ "فاطر السموات والأرض" والإنسان وباقي المخلوقات، والفطرة التي كانت بمثابة الكلمة المفتاح، في هذا البحث المقاصدي فتحت أمام المؤلف باباً واسعاً أمام جملة علاقات بين المعاني والقيم وتفاعلاتها ما كان بالإمكان فك شيفرتها وتحديد خريطتها القيمية دونها.
وقد أمضى البحث في المنظومة القرآنية، لدى المؤلف، وإستناداً إلى فرضية محورية الفطرة، إلى جملة خلاصات تصلح لتكون أساساً لرؤية شاملة قابلة لتقديم إجابات مترابطة ومتكاملة عن مجمل الأسئلة التي يطرحها الواقع المعاصر؛ كتحدٍّ أمام المختصين في علمي التفسير والفقه فضلاً عن الفلسفة والكلام.
وهذه بعض خلاصاتها: 1-العلاقة بين الدين والقيم، 2-ماهية الأمة القرآنية، 3-القيم هي معيار التقارب مع الآخر، 4-المؤمنون جزء من منظومة الوجود، 5-الإختلاف وآليات إدارته، 6-عصمة الجماعة، 7-منطق السيد والعبد.
وأخيراً يمكن القول بأن هذه الدراسة المنظومية ما هي إلا مجرد مقاربة، بل محاولة لصياغة رؤية شاملة تتيح للمسلم المعاصر أو لغيره محاكمة الكثير من الظواهر الفاتئة التي تطفو على صفحة الأحداث المعيوشة، كما تفتح الباب واسعاً لإكتشاف البعد الإنساني في هذا الدين الذي جاء ليخاطب الفطرة ولينعش في المخلوق ما هو كامن فيه من قيم الحق والخير التي هي عابرة للأعراق والألوان والأقاليم، كما أنه جاء ليوثق العلاقة بالطبيعة فلا يفسدها لأنها جزء لا يتجزأ من منظومته العامة كما بينت هذه الدراسة. إقرأ المزيد