تاريخ النشر: 27/05/2011
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:إذا كان للتاريخ من غاية يسعى لتحقيقها شعب من الشعوب، أو كل شعب، فلا بد أن نكون هذه الغاية لا متناهية أيضاً، يقول أحد فلاسفة التاريخ: "إن التاريخ العالمي هو التقدم في عملية وعي الحرية"... وفكرة الحرية هذه ما هي إلا تجسيد للإرادة الإلهية"... فهل الحرية هي حقاً غاية ...التاريخ؟... إن لم تكن الحرية هي الغاية فهل هي الوسيلة؟...
وسيلة الإنسان فرداً وجماعة، من أجل تحقيق الذات الإنسانية اللامتناهية في أبعادها الفردية والجماعية، ولكن بهذا المعنى تكون الحرية هي الغاية والوسيلة في آن معاً، إذ لا يمكن الحديث عن الذات الإنسانية إلا بمقدار ما يمكن الحديث عن حرية الذات وسيادتها على نفسها ومسؤولياتها عما تقوم به من أعمال.
في هذا المنظار يبدو من الضروري قراءة التاريخ العربي، والتاريخ العالمي، لتبيان الدور الذي لعبته وتلعبه الأشكال والأطر التنظيمية المختلفة التي عرفها ولا يزال يعرفها المجتمع العربي - بدءاً من القبيلة إلى الدولة القومية - الدينية، إلى الدولة الحديثة الدنيوية أو الدينية ودخول هذا المجتمع في دائرة المجتمع العالمي - في عملية تحقيق حرية الذات في علاقاتها مع ذاتها ومع الآخرين تلبية للحاجات العميقة للنفس البشرية، وبالمقارنة أيضاً مع ما حققته الشعوب الأخرى في مسيرتها التاريخية؛ ويمكن القول أنه لا تاريخ من دون تاريخ مقارن.
إن هذا المنظار، منظار مفهوم الحرية، لهو مفتاح أساسي ويجب أن لا يغيب أبداً عن ذهن المؤرخ في قراءته وكتابته للتاريخ، ولكن ما هي الحرية؟... وغاية الكاتب الإجابة عن هذا السؤال في مسيرة بحثه عن غاية للتاريخ، فما هي الحرية؟...
تكتسب الحرية كل يوم تعريفاً جديداً ومعنى جديداً بل وأبعاداً جديدة تضاف جميعها إلى مفهوم الحرية وتسهم في إغنائه، وكان لا بد من تعريفها تعريفاً علمياً موضوعياً، وهذا لا يعني أن يكون هذا التعريف تعريفاً نهائياً وأخيراً، ولكن يمثل محاولة تستوجب النظر إلى مفهوم الحرية في ملموسيته، أي في حركته وتطوره التاريخيين حتى نرى الحرية وهي تقدم نفسها بنفسها.
وفي هذا الإطار، فإن الحديث عن الحرية يستوجب الحديث عن الإرادة، إذ يكون المرء حرّاً تجاه أمر من الأمور ما تمكن من تنفيذ إرادته فيما يتعلق بهذا الأمر، فلا الإرادة تولد مباشرة مع الإنسان ولا الحرية، بل يولد الإنسان وتولد معه إمكانية إرادة؛ وبالتالي إرادة حرية؛ والإنسان وإلى هذا يخضع بدوره لجميع القوانين والضرورات المادية والبيولوجية، ولكن بالإضافة إلى هذه الضرورات تبرز ضرورات وقوانين إجتماعية.
وهنا، يبرز دور العنصر الذي يميز الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى، ألا وهو عنصر الوعي، فالإنسان بوعيه يقيم القوانين الإجتماعية وبوعيه يخضع لها، كما أنه بوعيه يتمرد عليها وبه وبغيرها، ولا يستطيع الوعي الحي إلا أن يكون حرّاً في حركته الدائمة، وهو يصل إلى درجة الحرية المطلقة في قدرته على التخيل وعلى تجاوز كل الحدود الحسية والعقلية وغيرها.
بين هذه الحرية المطلقة للوعي في الخيال والحتمية المطلقة للكائن الحي (الضرورات البيولوجية والمادية)، الذي هو الإنسان، تقع الحرية الحقيقية، الحرية الواقعية، أو الحرية المسؤولة؛ ومهما تباينت الآراء حول تعريف الحرية هناك إجماع على أن لا حرية خارج الوعي كما أن لا حرية خارج النظام.
وهذا يعني أن الحرية من حيث الأساس هي وعي؛ إذ ليس النظام إلا من إنتاج الوعي وهو وعي أيضاً، عند هذه المرحلة من التحليل الموضوعي والعلمي للكاتب حول مفهوم الحرية يبدأ القارئ بتلمس البعد الفلسفي العميق الذي يؤطر الحرية التي وعلى ما يبدو أنها ذات عمق تاريخي.
يحاول الكاتب تلمس تاريخ هذه الحرية، وهو يقول في ذلك وعلى ضوء العلاقة الوثيقة بين الحرية والوعي، بأن حركة حركة التاريخ هي حركة وعي في تفاعل مع ذاته في آخره ومع آخره في ذاته من أجل تحقيق المزيد من ذاته، أي المزيد من الوعي.
هذه المسيرة للوعي عبر التاريخ، إن هي إلا مسيرة تحقيق المزيد من الوعي وتحقيق المزيد من حرية الوعي في علاقته مع ذاته ومع آخره، ومفهوم الحرية هذا، وكما يتضح هو ضالة الكاتب في بحثه عن غاية للتاريخ، بدءاً بالنظر إلى حقيقة هذا المفهوم وإلى مدى تحققه في مسيرة التاريخ البشري. إقرأ المزيد