تاريخ النشر: 18/03/2010
الناشر: دار المنهل اللبناني للطباعة والنشر
نبذة الناشر:لم يخطر على بالي قط، ولم يدر بخلدي، عندما كنت أجمع نسخاً من تقاريري إلى وزارة الخارجية ومقالاتي في الصحف والمجلات ومداخلاتي في الندوات والمؤتمرات، أني سأعود إليها وأستعين بها في كتابة مذكراتي، وأكثر من ذلك أنني لم أجرؤ على التفكير في كتابة مذكرات يوم تسلّمت مهام عملي في وزارة ...الخارجية والمغتربين، في أوائل العام 1960.
كان حلمي أن أعمل في السلك الدبلوماسي، وقد تحقّق هذا الحلم الجميل وكفى! وكان الناس مأخوذين بان العمل الدبلوماسي راحة ومتعة وسفر وعشاء طيب ونبيذ فاخر، ولكني كنت أشعر أن ما اكتبه جزء مني، نفحة فكر ونبضة قلب وحركة يد، وأن الإنسان بالسليقة حريص على ملكه ومحترز على موجوداته طفلاً كان أم شاباً يافعاً ام رجلاً بلغ من العمر عتياً. إنها غريزة التملّك راسخة ثابتة في الأنفس.
مضى نصف عقد على إحالتي على التقاعد، وهذه الملفات مركونة في مكان أمين في المنزل، تنظر إليها سيدة الدار وتتساءل وتسأل متى يأتي دورها؟ كنت أشغل وقتي في أعمال وكتابات، لكن تهيبي من فتح تلك الملفات كان يزداد بموازاة أسئلة الأصدقاء والمحبين عن تاريخ صدور مذكراتي، وكنت كلما حاولت أن أجمع قواي لأخذ قرار بفتح هذه الملفات والشروع بالكتابة، خطفني مقال أو إستهواني عمل آخر، وعلى أسوأ حال أخذني الكسل وبردت الهمة ونفر مني القلم، وقد بقيت على هذا المنوال من التأرجح والتردد وعدم الثبات على أخذ قرار حاسم حتى نهاية العام 2002 تاريخ صدور كتابي الرابع "امركة النظام العالمي، الأخطار والتداعيات" قررت، عند ذاك، أن أخطف نفسي بنفسي، وأكرس بعضاً من وقتي للشروع في كتابة مذكراتي؛ اعتبرت أن الوقت قد حان وسنوات العمر تتراكم والسباق مع الزمن يقصر، وأن للمذكرات نكهة وطعماً إذا ما نشرت في حياة صاحبها وصانعها وكاتبها.
التهيب أمر واقع تفرضه خطورة الموضوع أو صعوبة العمل، وإنما هذا التهيب، بل هذا الذعر، أو الخوف، يزول لمجرد أخذ القرار الحازم الحاسم؛ وقد اخذت القرار ولا رجعة عنه. أخذت قرار الشروع بفتح ملفات خمس وثلاثين سنة من العمل، كذلك فتح المأمن الذهني الذي أودعت فيه القصص والروايات والأحداث والأخبار منذ نعومة أظفاري، أي منذ دخولي مدرسة الضيعة حتى تاريخ إحالتي على التقاعد في اليوم الأول من تموز عام 1995، المهمة صعبة، لكن الإرادة القوية تهوّن الصعاب وتزيل العقبات وتسهل المسار.
كنت أسير في الكتابة مسافة لا بأس بها، أقلّب الصفحات، أقرأ النصوص، ألخصها في أسطر، ثم أنقطع عن الكتابة لسبب أو لآخر؛ وتطول الأيام وتنقضي الليالي حتى أعود إلى هذه الملفات، وأستأنف الكتابة. وقد ظلّ بي الحال على هذا المنوال إلى أن أطلّ صيف 2004، فشحذت الهمة وانكبيت على الكتابة إلى الكلمة الأخيرة من الذكريات والمذكرات. أما الفصلان الأول والثاني من هذه المذكرات فقد كتبتهما بعد أن انتهيت من كتابة الفصول الأخرى.
هذان الفصلان الأول والثاني، يتضمنان الولادة والنشأة والمدرسة والتفتيش عن عمل، عن وظيفة، والسعي إلى الحلم الجميل الذي يدغدغ خريج الجامعة، واختصرت الكثير الكثير من ذكريات طفولتي وفتوتي، الشيطنات التي كنت أمارسها وأبناء جيلي، الرحلات والمشاوير واللعب واللهو ومساعدة الأهل والقيام بالعمل المكسب. لقد اختصرت ذكريات ثلاث وعشرين سنة بصفحات قد يوازي عددها عدد تلك السنين، كي لا أثقل على القارئ بما لا يطيق قراءته.
إن الوظيفة الدبلوماسية ليست بالسهلة الهينة، كما يدور في مخيلة الكثيرين، إنها محكومة بنصوص وقواعد وقوانين ينبغي على شاغلها أن يتمتع بقدرات وكفايات وطاقات وأن يكون صاحب خزين واسع من العلم والمعرفة والثقافة. إنها ليست متعة وسفراً وحفلات وعشاوات، بل عمل جاد رصين؛ إنها تأهب وتيقظ وإقدام وحضور ومبادرة. والدبلوماسي الناجح وراءه إمرأة ناجحة، رصينة، مثقفة، كريمة، مضيافة، فاعلة خير، محبة، متواضعة، تعرف حدود حقوقها وواجباتها، مكملة لزوجها الدبلوماسي في خدمة الوطن والمواطنين؛ يشكل كلاهما مرآة تعكس الوطن بأبهى صورة وأجمل ألق. وإن لقرينتي هند دوراً فاعلاً في حياتي وعملي الدبلوماسيين، وفي صنع هذه المذكرات وأحداثها والتشجيع على كتابتها. إقرأ المزيد