تاريخ النشر: 01/01/2004
الناشر: دار وحي القلم للطباعة والنشر والتوزيع
مدة التأمين: يتوفر عادة في غضون أسبوعين
نبذة نيل وفرات:فتنة السلطان من أعظم الفتن والبلاء التي تعرض للعالم في حياته، لذلك جاءت النصوص الشرعية وأقوال الأئمة تترى بالنهي الشديد عن الاقتراب من الحكام الظالمة، فضلاً عن مشاركتهم فيما هم فيه. قال الله تعالى: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار"، قال الإمام البيضاوي: الركون هو الميل اليسير، أي ...لا تميلوا إليهم أدنى ميل فتمسكم النار بركونكم إليهم، وإذا كان الركون اليسير إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً كذلك، فما ظنك بالركون إلى الظالمين الموسومين بالظلم، والميل إليهم كل الميل؟! وإذا اتبلي العالم بهؤلاء، وتعسر عليه الإنكار عليهم وقول كلمة الحق أمامهم، فلا ينزل عن مرتبة الاستنكار القلبي والبراءة من انحرافهم واعتزالهم، وذلك أضعف الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون من بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع!".
هذا ولما صار الغالب على أحوال السلاطين -بعد عصر الراشدين- الكثير من المساوئ، حتى لا يكاد مخالطهم يسلم من رؤية منكر لا يستطيع له تغييراً، أو ظلم لا يستطيع له رفعاً، أو حق مسلوب لا يستطيع له رداً، اعتزل معظم العلماء الصادقين أهل السلطة أجمعين، من غير تفريق بين من قل جوره أو كثر، وذلك من باب الورع والاحتياط والأخذ بالأسلم وترك الشبهات.
ولم يرخص بعض الفقهاء في مداخلة السلاطين إلا على سبيل النصح لهم في الدين، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نحوهم كما أمر بذلك سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. أما الدنو منهم مع السكوت والموافقة وربما مع التعاون على الإثم والعدوان، فهو الهلاك والخسران، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني وليست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لمك يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض".
قال الإمام ابن الجوزي: ومن تلبيس إبليس على الفقهاء: مخالطتهم الأمراض والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضاً، فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه: الأول/الأمير: يقول لولا أني على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من مالي. والثاني/العامي: أنه يقول لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله، فإن فلاناً الفقيه لا يبرح عنده. والثالث/الفقيه: فإنه يفسد دينه بذلك.
وخلاصة القول في هذه (المسألة السلطانية) ما قرره الإمام الغزالي في مستهل باب (مخالطة السلاطين) من كتاب (الحلال والحرام) حيث قال: أعلم أن لك مع الأمراء والعمال الظلمة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى -وهي شرها- أن تدخل عليهم، والثانية -وهي دونها- أن يدخلوا عليك، والثالثة -وهي الأسلم- أن تعتزل عنهم فلا تراهم ولا يرونك. وإلى هذه الحالة نحا الإمام السيوطي فاعتزل السلطان الذي طلبه مراراً -وتحمل في ذلك العديد من المضايقات والضغوط والتهديدات، ولكنه ثبت وأعلن رفضه بكل جرأة عبر هذه (الرسالة السلطانية) التي أرسلها إلى السلطان، وضمنها -باختصار- حكم الدين في مسألة المجيء إلى السلاطين. وهي -على صغرها- رسالة جليلة القدر، وجديرة بالتعريف والنشر. إقرأ المزيد