تاريخ النشر: 14/01/2008
الناشر: دار الفارابي
نبذة نيل وفرات:"أطلق اللاوعي كل أحلامه، غيّر كل واقعي، محا كل ذاكرتي، رسم واقعاً آخر وتفاصيل جديدة عن كل شيء، غيّر وجوه الناس الذين عرفتهم، وخفف عني آلامي أحياناً، وزادها أحياناً أخرى. وصرت أرى أحلاماً لا أميِّز بينها وبين الحقيقة. رأيت أحمد يدخل في ليلة باردة من ليالي آذار العام 1988 ...ليقول لي أنه سيموت. دخل عبر الشرفة وفي علبة دخانه أربع سجائر فقط، كان يحتفظ بها في جيبه، وقال إنه سيموت، وإنه عليّ أن أنتبه إلى الجميع، ثم مات. خلال دقائق، أو ربما خلال ربع ساعة، توقف القلب، ولم أكن قد تمكنت بعد من إلباسه ثيابه لأخذه إلى المستشفى، هو المستشفى نفسه الذي دخلته مدة شهرين في وقت لاحق من العمر. كفَّ الرجل الذي كان والدي عن الانتظار، وخلال ربع ساعة كان قد ودعنا وأوصانا ثم غادرنا مخلفاً كل ثروته، وهي السجائر الأربع. وبقيت كالمشدوه. لا ليست أول حادثة وفاة، ولن تكون الأعنف، ولكن شيئاً ما شلّني، ليلتذاك أمطرت السماء بغزارة ومن خلال المطر أتانا ملاك الموت مستعجلاً، لم يهملنا ولم يسهر معنا، ولم يحاور أحمد، بل فضّل كما حلمت أو هذيت وأنا بين اليقظة والموت، قبض روح جدك يا جويس والانسحاب سريعاً... وفي حلمي وأنا أصارع التسمم الذي تشرّبته كل خلايا جسدي، قدّرت أن ملاك الموت قد أجّل قبض روح جدك يا جويس، أو أنه قد زاره قبل عدة أيام حين توعك وأحبط... وحين استيقظت من الحلم ومن الموت رأيت طيف جدك يتردد إلينا، وبقي هناك يحضر نقاشاتنا التي كانت تصيب الآخرين بالملل، وبقي خياله حولنا وفوقنا، وحين أخطئ أعرف أنه هناك ينتظر بصبر أن أصحح أخطائي".
هلوسات، وغياب يتبعه حضور في عوالم ماورائية وحياة تنزع من قلب الموت. مناخات تبعث على الأسى والأسف من خلال استحضار الكاتب لأحداث الحرب اللبنانية والتناحرات والأجواء التي كانت مخيمة على البلاد في تلك الآونة، والتشظي الذي لفّ الواقع والنفوس. يدفع الكاتب بكل ذلك ويجسده من خلال شخص بطله المحوري الذي كان منخرطاً في أحد التشكيلات الحزبية والحربية التي كانت شائعة في ذلك الحين. والذي تعرض لمحنات عديدة جعلته يغيب في عوالم الموت، ليجد نفسه فجأة وقد جفاه ملاك الموت لأسباب يجهلها. محدثاً بمكنوناته كلها ابنته جويس، ومعبراً عن كل آلامه وآماله من خلال سرديات يستحضر من خلالها تاريخ تلك الفترة في الحرب الأهلية اللبنانية وما رافقها من أحداث عربية وعالمية. إقرأ المزيد