روائع الشعر العباسي في عهده الأول
(0)    
المرتبة: 55,611
تاريخ النشر: 01/04/2005
الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر
نبذة نيل وفرات:شكلت نشأة الدولة العباسية منعطفاً حاسماً في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفكرية والأدبية للدولة الإسلامية، فنحن نعلم أن الدولة الأموية كانت دولة عربية إسلامية في حين كانت الدولة العباسية أعجمية إسلامية.
فعلى الصعيد السياسي كان للتحالف العلوي العباسي ثم الخراساني العربي فيما بعد أثر كبير في توجيه السياسة.
وإن انطوت ظاهرياُ ...في ظل الدولة العباسية إلا أنها كانت نوى لدول وطوائف فيما بعد -هذه الكيانات برزت في أشكال متنوعة أبرزها على الإطلاق الحكم الأموي للأندلس والذي دام قروناً طويلة، ومنها أيضاً بعض الثورات التي نشبت هنا وهناك كثورة أبي مسلم الخراساني والثورة البرمكية والثورة الراوندية وغيرهما.
كل ذلك يشير إلى الاضطراب الذي عاشته الدولة العباسية في أوليتها والذي كلفها في أول الأمر جهوداً بالغة، حتى دان لهم الأمر في عهد أبي جعفر المنصور الذي بنى بغداد.
أما الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فقد تعرضت لجملة من التأثرات والتأثيرات الداخلية والخارجية جعلت من الدولة العباسية أقوى دولة في العالم آنذاك، ولا بد أن ينعكس ذلك في الحياة عامة، نجد لها صوراً بالانتقال من حياة البداوة إلى الحياة الحضرية، من خلال المدن والقوى التي انتشرت في الرقعة الواسعة من الأرض الإسلامية. كما انتقال العرب المسلمين للعيش في البلاد التي فتحوها وتأثرهم بلغات أهليها وحيواتهم ومعايشهم.
ومن الطبيعي بعد ذلك أن ترى البذخ ينتشر، وخزائن الدولة تملأ، ولا أدل على ذلك من قول الرشيد مخاطباً السحاب: اذهبي أني شئت، وأمطري أنى شئت فسيأتيني خراجك، ولك بعد ذلك أن تتصور هذه الحياة التي كان يتمتع بها الخلفاء وحواشيهم من الوزراء والقواد وكبار رجالات الدولة، ومن اتصل بهم من الفنانين شعراء ومغنين، و من علماء ومثقفين.
كل هذه الأحداث والصور أدت إلى بروز مصطلحات جديدة في الفكر الإسلامي من مثل الشعوبية والزندقة والمجون، والرق والزهد وعلم الكلام والاعتزال، أدت في مجموعها إلى ظهور كيانات اجتماعية وثقافية وحتى اقتصادية بحكم ما بلغته هذه الدولة من تعقيدات في أنظمة السياسة والحكم.
ولا نجد ضيراً بعد ذلك في تأكيد أثر هذا كله في الشعر العربي العباسي، فعلى الرغم من أن البادية كانت ما تزال تمد الحاضرة بكثير من الشعراء ذوي السليقة السليمة، وعلى الرغم من تمسك اللغويين بالشعر القديم تمسكاً شديداً، إلى أن مشيئة التطور كانت الغالب لنرى بعد ذلك تيارات من التجديد قادها أبو نواس وأبو تمام وبشار ومن لفّ لفهم.
وبذلك نقف الآن أمام شعر لا عهد لنا به من قبل. من حيث الشكل والمضمون فالسقطات كثرت والأوزان تلاعب بها الشعراء، واللغة لم تعد عربية أعرابية وفشا اللحن وظهرت مذاهب في الشعر وأصناف، كل ذلك أدى إلى التجديد في الموضوعات القديمة كالمديح والهجاء والغزل والوصف، فالمديح ها هنا أصبح نواة للشعر السياسي بمفهومه المتطور، ومثله الهجاء، وينتج من الوصف والغزل، شعر الخمريات والغلمان والمجون والزهد وغير ذلك. إقرأ المزيد