فيروز.. وعلى الأرض السلام
(0)    
المرتبة: 6,975
تاريخ النشر: 01/11/2004
الناشر: خاص-ريما نجم
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:كالأرزة تطل فيروز متجذرة شامخة ترسل أغصانها إلى أبعد من الأبعد، وتلامس الأحلام، وتصل إلى عمق الوجدان، فيتحقق التناغم بين المرسل والمتلقي، إن رحمة فرحمة، وإن ثورة فثورة، تشهر عنفوانها حتى في قضايا الحب والصبابة، "عاقد الحاجبين" يترجح بين أن يكون حبيباً أو ربما غازياً يلاحق ابنه "مدلج" على ...مدرجات "جبال الصوان" الوعرة. ما أجمل أن يختصر فنان ناجحٌ وطناً... وذلك إن دلّ على شيء؛ فإنما يدل على مدى كِبرِ هذا الوطن.. وإذا كان الله قد حبا لبنان بالجمال، واختصه بالقدرة على استقطاب محبة الآخرين وإعجابهم، فإن أروع ما وهبه الله لهذا الوطن الصغير بمساحتهن الكبير بحضوره، الدائم الروعة تماماً كالبنفسجة الصغيرة الطيبة العطر.
هكذا هي "فيروز" والأخوين رحباني بأعمالهم التي غزت قلوب كل العرب، وشكل صوت سفيرتنا إلى النجوم الرابط الأصدق ما بين العرب ولبنان. ضياع "شادي" في مسرحية "يعيش، يعيش" العام 1970، يصبح قضيتنا الأولى والأخيرة، ننسى بعده كل قضايانا. ويغدو طحنا السكران" شغلنا الشاغل، وهاجسنا الوحيد. نحنُّ إلى "يارا" ذات الجدائل الشقراء، ننتظر "عصفور الجناين"... يفترسنا القلق لتأخر "جلّنار". رافقنا صوت فيروز، ونحن نحضر حقييبة المدرسة، ونحن نجوب الشوارع وحيدين ومع الآخرين، حفظنا أغانيها عن ظهر قلب، رافقنا صوتها ونحن نجلس إلى الطاولة نفكر، أو مستقلين على شاطئ البحر، أو شاطئ القلق والخوف، ونحن نتأمل الورود. أمواج من سحر تتقاذفنا وتربي بنا في أحضان المدى "ليالي الشمال الحزينة"، تستنفر حزننا الدفين، ترى ماذا يعترينا كلما أنصتنا إليها "بكرا أنت وجايي" تدفعنا إلى موانئ الذكرى المحفوفة بوهج لا يخبو.. تسبقنا الدمعة.. تفاجئنا... أو للدقة لا نتمالك أنفسنا عن البكاء... فيبكينا صوتها الشجي... "أمس انتهينا"، "يبكي ويضحك"، "أنا يا عصفورة الشجن"...
وبعد هذا كله... ليست المسألة مسألة صوت جميل وأداء ملوّح بالإحساس والانفعالات فوق الطبيعة؛ بل هي أبعد من ذلك، واشمل ذلك، أن صوت "فيروز" يتدخل بالكلمة، فيزيدها شاعرية: باللحن فيبتكر له مقامات وكأنها لا تشبه المقامات التي عرفناها، يؤدي دوراً تمثيلياً فيتيغر المشهد والمشاهد... ليس في الأمر معجزة.. إنها حقيقة صوت فيروز التي يخوض هذا الكتاب غمارها، وليس في القضية انتقاص لآخر، أو تقليل لأهميته، فكل الشعراء الذين غنت لهم فيروز هم شعراء حتى أخمص قوافيهم، وكل الذين لحنوا لها عباقرة تلحين، مشهود لعبقريتهم، وكل صوت جميل شدا من أغنياتها وفّاها حقّها، ووفّته تعبه، لكن صوت فيروز موضوع آخر، حالة نادرة نادرة، قد نغفل ندرتها أو نتغافل عنها، لأننا ألفنا سماعه على مدار اليوم، بل مدار العمر. وصوت فيروز طقس خاص نعيشه مذهولين مندهشين، وكأننا في نشوة الغيبوبة وغيبوبة النشوة... حوارتها المسرحية خروج من زمن ودخول في زمن آخر، حوارات تؤجج، تستنفر، تحفز، تدفع باتجاهات مجهولة تجعلنا في لحظات المعنيين بالأمر، القصة والأبطال، العقدة والحل، البداية والنهاية.
ومن حسن الطالع ومن كرم القدر أن التقت فيروز الأخوين رحباني، أو التقيناها، وانطلقوا في قافلة فن، في مهرجان أهازيج، في عرس ملائكي، ليزينوا العالم ويجمّلوه، ويسيّجوه بالأمل، ليوسعوا آفاقه، كلما أحسوا ضيقاً خانقاً. اختار الرحابنة لفيروز الأجمل والأروع والأبدع: كلمةً ولحناً وحواراً اختاروا ما يليق بحنجرتها ومشاعرها وعنفوانها، لتغدو أغنيتها تحفة الروح، وكذلك مسرحيتها وفيلمها السينمائي. وإطلالتها صورة وصوتاً وحفيفاً، وكأنما هذا الكتاب الذي جاء بإخراج وغلاف يليقان بصاحبته والأكثر من ذلك بما يضمّه من صور وكلمات معبرة يتيح للقارئ مشاهدة فيروز والانطلاق معها في رحلة عملها، لوحدها على المسرح، وفي لحظات لقائها مع أسرتها... كل ذلك يهب للقارئ متعة الاقتراب أكثر من فيروز والإنصات إليها، وكأنها أمامه تغني فيسمع، وتتحرك فينظر، وتتكلم فينصت. إقرأ المزيد