تاريخ النشر: 01/04/2004
الناشر: معهد المعارف الحكمية، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
نبذة نيل وفرات:تشكل في الحقل المعرفي المنتمي إلى "فلسفة الدين" قسم اصطلح عليه باسم: "لغة الدين" وقد يلتبس عند بعضهم مقاصد هذا القسم ومسائله... إذ ما معنى أن نتحدث عن لغة الدين؟ فإذا كان الهدف من هذا القسم معالجة النصوص على الطريقة الفيلولوجية فهو مقصد لا ينتمي إلى الفلسفة، وإن كان ...الأمر تدارساً لصنف هذه اللغة أو تلك، من التي صدرت عنها الكتب المقدسة، فهو مبحث لغوي بحت وبالتالي: فهل هناك إمكانية لإيجاد صيغة بحثية معرفية، نطل من خلالها لندرس لغة الدين...؟
بالواقع هذا ما أجابت عليه مدارس في الفلسفة التحليلية والوضعية... إذ تعاملت من منطلق أمر ثابت في تاريخ الفلسفة مفاده، أن اللغة تحاكي الواقع الخارجي، بتوسط الصور الذهنية... وبالتالي بنت هذه التحليليات قاعدة تفيد أن كل لغة تتم صياغتها كقضية مفهومية لا بد أن تخضع لمعيار الاختبار أو الدحض بعرضها على الواقع، والواقع هنا لا يتجاوز حدود المحسوس أو القابل للتجريب، فإذا صح إخضاع القضية للاختبار والدحض استنتجنا أنها قضية ذات معنى، وإلا فهي عبث لغوي فارغ.. والمعنى هنا أمر يتجاوز الذهن ليتطابق مع الواقع الخارجي، وبشروط منهجية ومعيارية محددة..
وهكذا فقد تحولت اللغة اللادينية إلى مادة لصور قضايا تبحث وتحلل في مناخ من "الرقمية الرياضية" والتفكيكات التحليلية.. وليصار بعدئذ إلى تشكيل وجهتين:
الأولى: عملت على إفراغ القضية-"الجملة التصورية والتصديقية" الدينية من أي معنى..
الثاني: إثبات متانة وواقعية القضايا واللغة الدينية في الحقل المعرفي والإنساني، والدخول مع أصحاب الوجهة الثانية بنقاشات حادة وجادة...
وهذا العدد من مجلة "المحجة" يعكس بعضاً من تلك النقاشات فيتقدم البحث الأول، الذي تناوله "محمد محمد رضائي" كون لغة الدين حينما تتناول قضايا إنطولوجية من مثل "وجود الله والمحمولات التي تستند إليه كموضوع هي "أسماء الله وصفاته".. فإنها تستولد مساراً لمباحث عن "معنى القضية الدينية"، معتبرة أن كل قضية لا تخضع لمعيار الاختبار والنفي فهي باطلة. وطالما أن القضايا اللاهوتية تستعصي على مثل هذا الاختبار، والدحض، فقد عدت في منطق القضايا الوضعية "باطلة" وخالية من المعنى، إلا أن الباحث ينقل إلينا وجود ردود تعكس قضايا دينية قابلة للاختبار من مثل القضايا ذات الطابع النفسي-المعنوي... والطابع التشريعي-الاجتماعي لما تحمله من قابلية تستأهل تفحصها على مستوى الفاعلية... وقد استعرض الباحث بعض النظريات التي تناولت نوعية "القضية الدينية" منها:
أ-نظرية اعتبرها مجرد إبداء المشاعر من التمني والخوف تم إسقاطها وتحميلها بعداً دينياً...
ب-نظرية الكنايات التي ترمز حقيقة ما.. وهذه الحقيقة هي، بالغالب أخلاقية... وعليها تدور حركة كل القضايا الدينية.
ج-نظرية التفاسير الشعائرية، وهي تعتبر أن قضايا الدين إنما تريد الإشارة إلى القيان بفعل ما...
د-النظرية الأسطورية والتي تعتبر أن لا فاصل بين الذهن والعين. وإن كل القضايا الدينية قد صيغت بشكل عبثي، وألبست ثوباً عقلانياً، وبالتالي فقد أورد محاولة العقلنة تلك إلى القضاء على القضايا الدينية.
ليصل الباحث بعد هذا العرض إلى تقديم وجهة من معالجة لغة الدين تقوم على ما أسماه بلغة القرآن الكريم. وهي لغة فطرية/بينة/آمرة، ناهية/تدعو للتأمل/شاملة/تروي الأحداث كما هي دون ترميز/تضرب الأمثال حينما تريد ذلك، وتستخدم عند الضرورة التشبيهات.
أما البحث الثاني فقد أطل على ميدان حي في الفكر الإسلامي.. وهو ينطوي على لغة خاصة بالدين عالجها الكاتب "قاسم إخوان نبوي" من منظور الحكمة المتعالية.. وقد انطلق في معالجته للموضوع من بحث الدواعي لاعتماد الدلالات المنبعثة من صميم اللغة العرفية في تفسير بعض التشابهات من الآيات الاعتقادية، وتأثير الوعي اللغوي الخاص بتحليل ما تقوم عليه موارد الاعتقاد ومسائله..
أما المبحث الثالث فخصصه "محمد جواد سلمان بور" لمعالجة البعد المعرفى والعقلاني للغة الدين في مجالات التشريع والتقنين، وهكذا يكون ملف هذا العدد قد سلط الضوء على واقع الخطاب الديني ولغته القابلة بسبب مرونتها وحيويتها واتساعها، للاختبار العلمي.. ولعل المرجع في ذلك، طبيعة البنية التي يرتكز عليها النص الإسلامي، وما تحمله من أبعاد غائبة إنسانية تتجاوز حدود النصوص التي اعتمدتها الكثير من الأديان، والتي لم تراع الجنبة العملانية في تقريرها العلمي... إقرأ المزيد