ربما أصبنا بالجنون، الاسترشاد وسط تطرف مقارن
(0)    
المرتبة: 425,381
تاريخ النشر: 01/11/2003
الناشر: منشورات الجمل
نبذة نيل وفرات:هجوم على الحضارة؟ ألم تضع التكنولوجيا وعلوم الأحياء أسس الحضارة منذ وقت طويل موضع سؤال وتعلن أن العالم هو كل ما يمكن التلاعب به؟ ألم يجر تجاوز حدودنا البشرية، ألا يراد الآن تغيير الإنسان إلى أجسام أكثر فاعلية وأنظمة تفكير أكثر ذكاء؟ ماذا يقول عراب الذكاء الاصطناعي مورافيك؟ "سيان ...ما يصنعه الناس على أية حال، لأنهم سيُهمَلون قريباً، مثل المرحلة الأولى لصاروخ". يقول "ستعتبر البشرية تجربة مخففة". (ولكن متى، وتجربة من وستخفق عبر من أو ماذا؟) وماذا يقول الدائر في فلكه ماكس مو؟ "برفض الأساطير القديمة واستخدام أدوات جديدة فاعلة نستطيع أن نتجاوز الحدود البيولوجية والنفسية الملموسة. علينا أن نزيل جميع القيود الطبيعية وتلك المتجذرة ثقافياً على قدراتنا". جوهر الإنسان مطروح للنقاش، لقد نجح سلب العالم السحر، وقد نشأ في ذلك سحر جديد، سحر فاسد... يقول المحتالون، لم يعد هدفنا فهم العالم وإنما تقليده. والحب والموت؟ "لأن المحبة قوية كالموت؟" كما جاء في "نشيد الإنشاد" للملك سليمان؟ والكراهية والحرب؟ إنها أقوى من كل تحوير، أقوى من كل الولادات الاصطناعية. تذكر أديان الكتاب الإبراهيمية الثلاثة الحرب التي جرت باسمها: حروب كراهية مقدسة، حرب صليبية، حيرم وجهاد. تربط الحيرم والجهاد قرابة، فالساميون والحاميون شعوب متآخية، إسماعيل وإسحق إخوان غير شقيقين. لقد علم الغرب بوجود الجهاد، الحرب الإسلامية المقدسة، ولكن وجود الحيرم، الحرب اليهودية المقدسة، التي جعل الإله إسرائيل تخوضها للمرة الأولى ضد الكنعانيين لتمتلك الأرض المقدسة، غير معروفة لدى الغرب إلى حد كبير. يحيل التوراة مراراً إلى الإرهاب تبعاً للحيرم، ليجعل إسرائيل تعي واجباتها، "القضاء على جميع الكنعانيين وأملاكهم، كي لا يصبحوا "شوكة في أعينكم وأشواكاً في أجنابكم" (رقم 33، 55) تعني كلمة حيرم العبرية ما تعنيه كلمة حرام العربية، محالاً ذا قدسية، لا يعتبر به في المعايير العادية. قاد الحيرم الثاني ضد الروم والذي انتهى بتدمير المعبد وإحلال الخراب في البلاد والانتحار الجماعي للمسادا الإرهابي اليهودي المقدس السيكارير سيلوتن. كان هدفه أن يجعل اضطهاد الروم لا يطاق فتصبح الانتفاضة أمراً لا يمكن تجنبه، ولمنع كل محاولة للمصالحة، يخوض المحاربون المسلمون اليوم جهادهم بنفس الهدف. يعود التأثير الكبير للحيرم الثاني إلى قدرات محاربيه على إحداث انتفاضات شعبية، منذ أيام الفوضويين الروس الذين كانوا أول من صاغ برنامج الإرهاب الحديث اعتبرت إثارة "le vee en masse" عبر أعمال الاستفزاز وسيلة مناسبة. لكن لم يكن أي من أعمالها كبير التأثير مثل حركة السيلوتن المسلحة ضد الروم والمحاربين الإسلاميين في هذه الأيام. كان إضفاء المثالية على قتل الطغاة جزءاً من الأخلاق السياسية لليونانيين والرومان. ويوجد في التقاليد اليهودية شيء مشابه في إيهود ويهو ويوديت الجميلة التي قطعت رأس هولوفيرنس النائم. لقد أثار القتل الورع حماس السيلوتن في حميتهم المقدسة، مثلما أثار خالد أحمد شوقي في إسلامبولي حماس محاربي الجهاد، حين قتل أنور السادات بتكليف من الإخوان المسلمين. لقد جعل "الرجل الذي قتل فرعون" من قبل الجهاز المركزي لحزب الله في طهران رمزاً مقدساً للشهيد.. والمسيحيون؟ الحروب الصليبية، محاكم التفتيش، دكتاتوريات الاستعمار والعولمة التي مارست العنف والحروب الإمبريالية هنا وهناك وهنالك، حقيقة ثقيلة كثيفة، لاتينية حادة وأميركية رخوة. هنا حرارة الإيمان والخوف من الجحيم، ومشابهة العذراء وقلنسوات القسس، وهناك الكراهية العنصرية وكلوكس كلان، تآمر وجمعيات سرية... ما هو المشترك بين العنصرية والغربية والإسلامية واليهودية الراديكالية؟ التطرف والتستر على التاريخ".
من خلال تلك المقاربة يمكن استشفاف طرح الكاتبة أوللا بيركيفيج الذي نحن بصدده. فبقدر ما يشهده العالم من صخب وتشويش في معتقداته الدينية، بقدر ما يقف العقل عاجزاً عن تصديق الادّعاء الذي ينسب حركات العنف المتشحة بمسحة دينية إلى الدين. وسواء أكنت مع الكاتبة ومع طروحاتها في الأصولية الدينية إلا أنك لن تكون بخلاف معها عند طرحها لمسألة حتمية الحركات الأصولية في الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. إلا أن للكاتبة رؤية هي محل تأمل وهو نزوع البشر إلى التطرف في فترات الأزمات. ففي أوقات انعدام الاهتداء والاقتلاع من الجذور، يجري البحث عند ذاك عن الحل والشفاء في التعاليم الإسلامية. وعند المضي في قراءة فكر أوللا بيركيفيج يصبح القارئ على مقربة أكثر من فهم الكثير من الأزمات التي يمر بها عالمنا اليوم، والذي يقترب أكثر من حالات الجنون وذلك لعجزه عن تصديق همجية بشر القرن الواحد والعشرون الذي يماثل بهمجية همجية إنسان العصر الحجري المحتكم فيها في قوانينه إلى قانون شريعة الغاب. إقرأ المزيد