الهندسة الإلهية في سورة الكهف
(0)    
المرتبة: 89,048
تاريخ النشر: 01/01/1986
الناشر: دار عمار للنشر والتوزيع
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:تعد سورة الكهف من روائع سور القرآن الكريم، وقد وردت أحاديث شريفة تبين فضلها، وإذا تدبرنا هذه السورة الكريمة، وجدناها ذات هندسة إلهية خاصة، تشبه في نسقها سورة الفاتحة، في أن لها "قلباً" هو قصة آدم وإبليس، تسبقه قصتان رئيسيتان هما قصة أصحاب الكهف وقصة صاحب الجنتين، وتتلوه قصتان ...رئيسيتان أخريان، هما قصة موسى والخضر، وقصة ذي القرنين.
وقد وضعت قصة آدم، قلب السورة، في منتصف القصص، بل في منتصف السورة إشعاراً بأنها تحوي العبرة الأساسية في السورة، وبأن مغزاها ينعكس على القصتين اللتين قبلها، كما ينعكس على القصتين اللتين تتلوانها.
إذا تأملنا القصتين اللتين تسبقان قصة آدم، وجدناهما قصتي ابتلاء صير وابتلاء شكر: فقصة أصحاب الكهف قصة فتية ابتلاهم الله ابتلاء صير، فنجحوا في الامتحان، وصبروا على قسمة العيش في الكهف الصخري المظلم في سبيل الحفاظ على إيمانهم بالله. وقصة صاحب الجنتين قصة رجل آتاه الله رزقاً كثيراً وافراً فأغدق عليه من الثمرات والماء، لينظر هل يشكر ربه عليها، فهو ابتلاء شكر. لكن الرجل أخفق في امتحان الشكر.
والقصتان اللتان تتلوان قصة آدم، هما أيضاً قصتا ابتلاء صير وابتلاء شكر وبنفس الترتيب: فقصة موسى والخضر قصة ابتلاء لصير موسى صلى الله عليه وسلم على تصرفات الخضر (ع) المخالفة ظاهرياً للشريعة، وقد أخفق موسى في هذا الامتحان، فلم يصير.
وقصة ذي القرنين قصة ابتلاء شكر: فقد آتاه الله ملك الدنيا بأسرها من مغربها إلى مشرقها، فشكر الله على ذلك بإقامة العدل ومنع الظلم في الأرض.
أليس مدهشاً هذا الترتيب والترابط بين قصة آدم والقصص الأخرى؟
ومن ناحية أخرى تترابط قصة آدم بما قبلها وما بعدها في موضوع آخر، هو طبيعة البشر الخطاءة، التي -بحكمة الله- لم يفلت منها أحد حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد صدرت منهم أخطاء رمزية طفيفة، لتؤكد أنهم بشر وعباد لله، وليسوا آلهة ولا أبناء الله، وبذلك ترد رداً واضحاً على الذين "قالوا اتخذ الله ولداً" كما ورد في مطلع السورة.
ثم تريد السورة أن تقرر أن البشر جميعاً ضعفاء محاطون بالمغريات والشهوات والأخطار العظيمة التي قد تقذف بهم في لجج الشقاء الأبدي، وترشد السورة الناس إلى أن عليهم أن لا يغتروا بقوتهم ولا بعقلهم ولا بعلمهم، بل عليهم، إن أرادوا الخلاص من الشقاء، أن يلجؤوا إلى الله وحده، فهو المأوى الحقيقي الأعظم والوحيد في الدنيا والآخرة: "ولن تجد من دونه ملتحداً" أي ملجأ. ومن هنا سرت في السورة كلها فكرة "الملجأ" أو المأوى".
ولما كان المأوى حاجزاً يحجب الشر والخطر عن الملتجئ إليه، فقد انتشرت أيضاً في السورة فكرة "الحواجز" أو "الحجب" أو"الستر" أو "الغطاء" المتقاربة المعاني.
فكأن السورة نسيج متلاحم قد تشابكت فيه خيوط المأوى والحجاب والرحمة والعلم والنور والصبر وغيرها، وكأنها خيوط من نور مختلفة الألوان، تتشابك تشابكاً رائعاً، تبرز السورة معه في صورة متناسقة زاهية.
وكأن السورة تقول للإنسان: أيها الإنسان، إنك كأبيك آدم، ضعيف خطاء، فاعتبر بما حدث له في لحظة من لحظات ضعفه، فلم ينجح في امتحان الشكر ولا في امتحان الصبر، لأنه استبدل بالمأوى الإلهي مأوى الشيطان وإغراءاته، ومأوى الشهوة ودواعيها، فنسي أمر ربه، ووقع في الخطأ الجسيم.
وكأن السورة تريد أن تقول للمسلين: أيها المسلمون، لا تخطئوا كما أخطأت الأمم من قبلكم، فزعمت أن عيسى صلى الله عليه وسلم ابن الله، فلا تتوهموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم إله أو ابن إله، وإنما هو عبد الله، وهو بشر مثلكم، شأنه في ذلك شأن الأنبياء والرسل الذين هم أكمل البشر وأكرمهم على الله تعالى.
هذا، وسيجد القارئ في هذا الكتاب أولاً نص سورة الكهف، يتلوه عرض لأهم معانيها، ثم دراسة شاملة للهندسة الإلهية الرائعة التي تتجلى في أرجاء السورة المشرقة العطرة، مبينة تلاحمها وتناسقها المعجز الذي لا يمكن أن يكون من صنع بشر أمي لم تسبق له دراسة ولا كتابة ولا قراءة، وإنما هو قطعاً من صنع الله الذي أتقن كل شيء. إقرأ المزيد