القمع في الخطاب الروائي العربي
(0)    
المرتبة: 99,015
تاريخ النشر: 01/01/1999
الناشر: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
توفر الكتاب: نافـد (بإمكانك إضافته إلى عربة التسوق وسنبذل جهدنا لتأمينه)
نبذة نيل وفرات:تعتبر الرواية في عصرنا إحدى أهم المسائل التي يمكن من خلالها قراءة مجتمع ما، ففيها تقرأ حياة الناس اليومية وأحلامهم وتحاول أن تشير إلى مواضع الألم والخلل، ولا تخاف القضايا الساخنة أو الحرجة وإنما تلج إلى أعماقها وإن يكن أغلب الأحيان بطريقة غير مباشرة.
والرواية حين تقوم بذلك تقوّم الكثير ...وتفعل بالكثير، فتصبح كالمرآة التي يرى فيها الشعب نفسه، إذا حكى المهانة والألم وتحرك أثراً عميقاً في داخل كل إنسان حين يرى نفسه بوضوح وتتبدى له همومه عارية صارخة وبهذا المقدار أيضاً. وحين يكتشف كم أن حكامه فاسدون وكم هم خائرون وأنانيون وكم هم قساة أيضاً، لا بد أن تتحرك إنسانيته ومشاعره ويصبح في النتيجة أكثر وعياً فأكثر إحساساً.
وهذه هي الرسالة التي تريد الرواية أن تنهض بها. فمن يقرأ، على سبيل المثال لا الحصر، روايات عبد الرحمن منيف وحيدر حيدر وغالب هلسا وغسان كنفاني وصنع الله إبراهيم وجمال الفيطاني وفوزية رشيد وسلوى بكر وسحر خليفة وحنا مينة والطاهر وطار ومحمد زفزاف... الخ، من يقرأ هذه الروايات يجد مشاهد سوداء مرعبة وقاتمة من القمع والقهر، تتجلى في الطاردة والاعتقال والتعذيب الجسدي والنفسي، في عتامة أقبية السجون والمعتقلات، إنها روايات تتعرض لظاهرة القمع وتقوم بكشفها وتعرية جذورها الدفينة وتعقد تركيبها من عوامل داخلية في تنمية المجتمع العربي وعوامل خارجية يوجهها ويحكمها الاستعمال العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها تحدد مضاعفاتها على كينونة المجتمع العربي واقتصاده وسياساته وثقافته وشخصيته الحضارية.
يتصدى عبد الرحمن منيف لظاهرة السجن مباشرة أولاً في رواية "شرق المتوسط" الصادرة عام 1975، فقد اعتبر أن إحدى أبرز تجليات القمع تتمثل في السجن بالدرجة الأولى ومن هنا تناول ما يعانيه السجين السياسي وراء القضبان ثم وهو تائه في عالم شديد القسوة لا يعترف للبشر إلا بمدى ما يمثلون أو بمدى ما يملكون، وبالتالي فإن الإنسان المعزول المعتقل أو الإنسان المربوط بسلسلة طويلة وإن أتيحت له حرية الحركة، إلا أنه يظل سجيناً أو رهينة، لذلك فإن الحرية وهي بالإضافة إلى كونها حقاً؛ هي ممارسة يومية بالدرجة الأولى ومن هنا يصبح القيد، أياً كان طويلاً أو قصيراًن الوسيلة التي يمارسها الحاكم أو القوي لإعادة الضال إلى الحظيرة.
والروائي السوري حيدر حيدر في روايته "مرايا النار" يقدم خلاصة مبلورة مكثفة ومركزة لخبراته الحياتية كمثقف مغترب منفي وذات واعية سياسياً بأزمة ومحنة الوجود العربي الممزق بمؤسساتها لعميقة وآليات حكمها القبلية البدوية أياً كانت الديكورات والأقنعة ذات الإطار المدني التي تحجب وجهها القبيح المتخلف.
إن الرواية العربية بتصديها لظاهرة القمع تستفيد غربة واستلاب الإنسان العربي وتدفعه لاسترداد وعيه وتثبت بذلك أنها سجل واسع للأصداء النفسية والاجتماعية والسياسية، فالرواية هي ملحمة العصر الحديث وهي بديل عن الموت.
ضمن هذه المقاربة تأتي دراسة الباحث في هذا الكتاب حول القمع في الخطاب الروائي العربي. في محاولة لقراءة بعض نماذجها التي التقطت وجسدت وطرحت السؤال التشظي وانهيارات الواقع الاجتماعي بعد فشل الأنظمة الوطنية الشمولية التي قادت قدرات الاستقلال الوطني ومحاولة بناء مجتمع ما بعد الاستعمار بطريق لا رأسمالي واشتراكية فوقية يمكن تسميتها رأسمالية الدولة.
وقد حاول الباحث في قراءته وتحليله للنماذج الروائية المختارة، تأسيس وجهة نظر منهجية نقدية تستفيد من مناهج علم اجتماع الأدب وعلم اجتماع الرواية بالذات، غير أنها تطرح خصوصيتها النابعة من طبيعة وتمايز الرواية المصرية العربية المعبرة عن مجتمع وثقافة وحضارة مختلفة ومناقضة للآخر الأوروبي. ولمد جسر تواصل بين واقع البنية الروائية الغربي والشرقي عاد الباحث لدراسات لوكانش في نقده الماركسي لرموز الرواية الواقعية النقدية، وتولستوي وبلزاك واستندال وتوماس مان، كذلك الناقد الروسي باختين ودراساته عن الرواية متعددة الأصوات عند ديستوفيسكي، متوقفاً طويلاً عند لوسيان غولدمان والبنيوية التوليدية والتي قدمت حلاً للثنائية النقدية الأبدية عن علاقة الواقع بالرواية ومنهج غولدمان يتخلص في تناول النص الأدبي بوصفه بنية إبداعية متولدة عن بنية اجتماعية وذلك من منطلق التسليم بان كل أنواع الإبداع الثقافي تجسيد لرؤى عالم متولدة من وضع اجتماعي محدد لطبقة أو مجموعة اجتماعية بعينها.
هذا وإن الرؤية النقدية السائدة في فصول هذا الكتاب تمثل نقيض وتجاوز للاتجاهات والرؤى النقدية الشكلية المهتمة بالتحليل اللغوي والبنية النصية الداخلية والانغلاق على التاريخ وفصل النص الروائي عن السياق السياسي والاجتماعي والتركيز على ميتافيزياء الحضور والبنية المكتفية بنفسها سواء في النقد الجديد أو البنيوية الشكلية عند اللغوي سوسير، وليفي شنراوس في الانثروبولوجيا، وجاك لاكان في التحليل النفسي، كذلك رفض مفاهيم نظرية الانعكاس الآلية والماركسية الزادانونية الاستالينية عن البناء الفوقي وعكسه للبناء التحتي دون اعتبار للذاتية المبدعة ولجدلية الانعكاس. إقرأ المزيد