تاريخ النشر: 01/01/2009
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر
نبذة الناشر:الصمت خيم مذ مات الرجل, والرجل مات من عامين بعد مرض طويل. انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وأبرزها الصمت.. صمت طويل لا يفرغ, إذ كان فى الحقيقة صمت انتظار, فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لايجيئون. ومن المجنون الذى يدق باب الفقيرات القبيحات, وبالذات إذا كن يتامى؟ ولكن الأمل بالطبع موجود, ...فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها. فإذا كان الفقر هناك فهناك دائما من هو أفقر, وإذا كان القبح هناك فهناك دائما الأقبح, والأمانى تنال.. أحيانا تنال بطول البال.
صمت لم يكن يقطعه إلا صوت التلاوة.. يتصاعد فى روتين لا حدة فيه ولا انفعال. والتلاوة لمقرئ, والمقرئ كفيف, والقراءة على روح المرحوم, وميعادها لا يتغير.. عصر الجمعة يجيء بعصاه ينقر الباب, ولليد الممدودة يستسلم, وعلى الحصير ياربع. وحين ينتهى يتحسس الصندل, ويلقى بتحية لا يحفل أحد بردها, ويمضى, بالتعود يجيء. بالتعود يمضي, حتى لم يعد يشعر به أو ينتبه إليه أحد..
دائم هو الصمت,حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه أصبحت وكأنها قطع الصمت بصمت.. دائم هو كالانتظار, كالأمل.. أمل قليل ولكنه دائم, فهو أمل فى الأقل.. دائما هناك لكل قليل أقل, وهن لايتطلعن لأي أكثر.. أبدا لايتطلعن. يدوم الصمت حتى يحدث شئ.. يجيء عصر الجمعة ولا يجيء المقرئ. فلأي اتفاق مهما طال نهاية, وقد انتهى الاتفاق.
وتدرك الأرملة وبناتها الآن فقط كنه ماتقدم, ليس فقط الصوت الوحيد الذى كان يقطع الصمت, ولكن أيضا الرجل الوحيد الذى كان ولوفى الأسبوع مرة يدق الباب, بل أشياء أخرى يدركن.. فقير مثلهن هذا صحيح, ولكن ملابسه أبدا كانت نظيفة, وصندله دائما مطلى, وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون, وصوته قوى عميق رنان.
والاقتراح يبدأ: لماذا لايجدد الاتفاق ومنذ الآن؟ ولماذا لايرسل فى طلبه هذه اللحظة؟ مشغول. فليكن! الانتظار ليس بالجديد. وقرب المغرب يأتى, ويقرأ وكأنه أول مرة يقرأ. والاقتراح ينشأ.. لماذا لا تتزوج إحدانا رجلا يملأ علينا بصوته الدار؟ هو أعزب لم يدخل دنيا, وله شارب أخضر, ولكنه شاب, وبالكلام يجر الكلام, هاهو الآخر يبحث عن بنت الحلال.
البنات يقترحن والأم تنظر فى وجوههن لتحدد من تكون صاحبة النصيب والاقتراح. ولكن الوجوه تزور مقترحة-فقط مقترحة- قائلة بغير كلام: أنصوم ونفطر على أعمى؟ هن مازلن يحلمن بالعرسان, والعرسان عادة مبصرون. مسكينات لم يعرفن بعد عالم الرجال, ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه. تزوجيه أنت يا أماه.. تزوجيه. إقرأ المزيد